للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الْكَاثُولِيكِيَّةَ) الْمُسَيْطِرَةَ عَلَى أَكْثَرِ الشَّعْبِ حَالَتْ دُونَ عِلْمِهِ وَإِذْعَانِهِ لِذَلِكَ اهـ. وَلَا نَزَالُ نَنْشُرُ بَعْضَ هَذِهِ الشَّهَادَاتِ، وَكَانَ آخِرُهَا مَا نَشَرْنَاهُ فِي هَذَا الْعَامِ (١٣٤٨ هـ) مِنْ مُقَدِّمَةِ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ لِلْعَالِمِ السُّوِيسْرِيِّ (مِسْيُو مُونْتِيهَ) الَّذِي أَظْهَرَ فِيهَا تَعَجُّبَهُ مِنْ إِيمَانِ نَصَارَى أُورُبَّةَ بِأَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَعَدَمِ إِيمَانِهِمْ

بِمُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَذَكَرَ مِنْ خَبَرِ نُبُوَّتِهِ مَا هُوَ خُلَاصَةٌ لِمَا وَرَدَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالسِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ.

وَإِنَّمَا عَثَرَتْ أَفْكَارُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي عَثَرَتْ فِيهَا أَقْلَامُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ كَمَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، فَلَمْ يُوَفَّقُوا لِفَهْمِهَا وَلَا لِبَيَانِهَا كَمَا يَجِبُ، وَأَنْكَرَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بَعْضَ الْمَسَائِلِ الْمُخَالِفَةِ لِتَقَالِيدِهِمْ وَعَادَاتِهِمْ وَتَرْبِيَتِهِمْ كَالطَّلَاقِ وَتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ، وَهِيَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ مَسَائِلِ الضَّرُورَاتِ، ثُمَّ قَبِلَتْ جَمِيعُ شُعُوبِهِمْ وَحُكُومَاتِهِمْ حُكْمَ الطَّلَاقِ، وَأَفْرَطُوا فِيهِ بِمَا لَا يُبِيحُهُ الْإِسْلَامُ، وَلَوْلَا فُشُوُّ الزِّنَا فِي بِلَادِهِمْ لَاضْطُرُّوا إِلَى قَبُولِ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ أَيْضًا، وَلَا سِيَّمَا أَهْلُ أُورُبَّةَ الَّذِينَ اغْتَالَتْ حَرْبُ الْمَدَنِيَّةِ الْأَخِيرَةُ زُهَاءَ عِشْرِينَ مِلْيُونًا مِنْ رِجَالِهِمْ.

وَتَصَدَّى بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْقَرْنِ لِلدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ فِي بِلَادِ الْإِنْكِلِيزِ، ثُمَّ فِي غَيْرِهَا فَأَسْلَمَ بَعْضُ النَّاسِ بِدَعْوَتِهِمْ، عَلَى أَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى الْإِسْلَامِ لَا تَزَالُ ضَعِيفَةً بِضَعْفِ عِلْمِ أَكْثَرِ دُعَاتِهَا، وَابْتِدَاعٍ فِي بَعْضِ الْهُنُودِ مِنْهُمْ، وَكَمَا أَسْلَمَ آخَرُونَ مِنْهُمْ بِاطِّلَاعِهِمْ عَلَى تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ بِلُغَاتِهِمْ عَلَى كَثْرَةِ مَا فِي هَذِهِ التَّرَاجُمِ مِنَ الْخَطَأِ وَالْغَلَطِ، كَمَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ نَصَارَى الشَّرْقِ يُسْلِمُونَ فِي كُلِّ عَامٍ، وَلَكِنَّ بَعْضَ الْوُجَهَاءِ مِنْهُمْ وَأَصْحَابِ الْعَلَاقَاتِ الْمَادِّيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ بِعَشَائِرِهِمْ وَعُشَرَائِهِمْ يَكْتُمُونَ إِسْلَامَهُمْ، وَيُخْفُونَ عِبَادَاتِهِمُ الْإِسْلَامِيَّةَ عَنْهُمْ، وَقَدِ اعْتَرَفَ لِي وَاحِدٌ مِنْهُمْ مِمَّنْ يَلْبَسُونَ (الْبُرْنِيطَةَ) بِإِسْلَامِهِ بَعْدَ مُعَاشَرَةٍ طَوِيلَةٍ كَانَ يَسْأَلُنِي فِيهَا سُؤَالَ الْمُسْتَفِيدِ عَنْ بَعْضِ الْمَسَائِلِ الدِّينِيَّةِ، وَيَتَلَقَّى أَجْوِبَتِي بِالِارْتِيَاحِ - وَلَكِنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَيَّ كِتْمَانَ خَبَرِهِ.

وَكَانَ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْإِدَارَةِ (قَائِمْقَامَ) فِي لِبْنَانَ صَدِيقًا لِوَالِدِي، وَكَانَ يَزُورُنَا فَيُكْثِرُ مِنْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ، ثُمَّ مَرِضَ فَعَادَهُ وَالِدِي بِدَارِهِ فِي مَرْكَزِ عَمَلِهِ فَخَلَا بِهِ، فَاعْتَرَفَ لَهُ فِي هَذِهِ الْخَلْوَةِ بِإِسْلَامِهِ وَاضْطِرَارِهِ لِكِتْمَانِهِ عِدَّةَ سِنِينَ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّنِي أَشْعُرُ الْآنَ بِقُرْبِ الْأَجَلِ فَأُشْهِدُكَ عَلَى أَنَّنِي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ

مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَعَلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَمُوتُ. وَلَوْ كَانَ لِلْإِسْلَامِ دَوْلَةٌ قَوِيَّةٌ عَزِيزَةٌ تُحْيِي حَضَارَتَهُ، وَتُقِيمُ شَرِيعَتَهُ لِرَأَيْنَا النَّاسَ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ يَدْخُلُونَ فِيهِ أَفْوَاجًا.

هَذَا وَإِنَّ الَّذِينَ يُعَاشِرُونَ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ - الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الْإِسْلَامَ الصَّحِيحَ وَيَقْدِرُونَ عَلَى بَيَانِهِ - مِنْ عُقَلَاءِ الْإِفْرِنْجِ الْمُسْتَقِلِّي الْفِكْرِ يَعْجَبُونَ مِمَّا يَسْمَعُونَهُ مِنْهُمْ، حَتَّى لَيَشُكَّ أَكْثَرُهُمْ فِي أَنَّهُ هُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>