للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ضَعْفُ رِجَالِ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ أَنْفُسُهِمْ، وَعَجْزُهُمْ عَنْ إِظْهَارِ حَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ لِتِلْكَ الشُّعُوبِ، وَلِنَابِتَةِ الْمُسْلِمِينَ الْعَصْرِيَّةِ أَيْضًا بِالْبَيَانِ وَالْحُجَجِ الْمُنَاسِبَةِ لِحَالِ هَذَا الْعَصْرِ، وَمُقَاوَمَةُ بَعْضِهِمْ لِلْإِصْلَاحِ الْعِلْمِيِّ وَالْمَدَنِيِّ مَا اسْتَطَاعُوا، وَنِفَاقُ بَعْضِهِمْ لِلْأَجَانِبِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا، وَهَؤُلَاءِ شَرُّ آفَاتِ الْإِسْلَامِ، وَأَعْدَى أَعْدَائِهِ، وَفِتْنَةٌ لِلَّذِينِ كَفَرُوا تَصُدُّهُمْ عَنْهُ: رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠: ٥) .

هَذَا مُلَخَّصُ مَا يَصْرِفُ الْأُورُبِّيِّينَ وَأَمْثَالَهُمْ عَنْ مَعْرِفَةِ الْإِسْلَامِ وَالِاهْتِدَاءِ بِهِ.

(٨) الرَّجَاءُ الْجَدِيدُ فِي اهْتِدَاءِ الْإِفْرِنْجِ بِالْإِسْلَامِ:

سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (٤١: ٥٣) كَانَ نِظَامُ التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَهُ رِجَالُ الدِّينِ فِي بِلَادِ النَّصْرَانِيَّةِ كُلِّهَا، وَحَيْثُ وُجِدَتْ لَهُمْ مَدَارِسُ وَكَنَائِسُ فِي غَيْرِهَا - كَانَ وَلَا يَزَالُ - مُهَيْمِنًا عَلَى الْعُقُولِ وَالْقُلُوبِ أَنْ يَتَسَرَّبَ إِلَيْهَا شَيْءٌ يُخَالِفُ عَقِيدَتَهُمْ، فَإِنْ عَلِمُوا شَيْئًا مِنْهَا نَفَذَ إِلَيْهَا بَادَرُوا إِلَى نَزْعِهِ وَإِزَالَةِ تَأْثِيرِهِ، كَمَا يُبَادِرُ الْأَطِبَّاءُ إِلَى مُعَالَجَةِ مَنْ يُصَابُ بِمَرَضٍ مُعْدٍ أَوْ جُرْحٍ خَطِرٍ.

بَيْدَ أَنَّ حُرِّيَّةَ الْفِكْرِ، وَحُبَّ الْعِلْمِ اللَّذَيْنِ تَغَلْغَلَا فِي أُورُبَّةَ بَعْدَ الْحُرُوبِ الصَّلِيبِيَّةِ قَاوَمَا هَذِهِ السَّيْطَرَةِ الْكَنِيسِيَّةِ، فَوُجِدَ تَعْلِيمٌ حُرٌّ، وَتَفْكِيرٌ حُرٌّ، وَتَصْنِيفٌ

حُرٌّ، وَلَكِنَّ التَّرْبِيَةَ الْحُرَّةَ لَا تَزَالُ قَلِيلَةً وَضَعِيفَةً بِمَا لِلتَّأْثِيرِ السِّيَاسِيِّ وَالدِّينِيِّ مِنَ الْقُوَّةِ وَالسُّلْطَانِ.

أَعْقَبَتْ هَذِهِ الْحُرِّيَّاتُ وَمَا اقْتَضَاهُ الْأَخِصَّاءُ فِي فُرُوعِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ، مِنْ عِنَايَةِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ بِدِرَاسَةِ الْكُتُبِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَكَانَ مِمَّا أَثْمَرَتْهُ سِيَاحَةُ الْعُلَمَاءِ مِنْ قَبْلِهَا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، أَنِ اطَّلَعَ الْأَفْرَادُ بَعْدَ الْأَفْرَادِ مِنْ كُلِّ شَعْبٍ مِنْ شُعُوبِ الْإِفْرِنْجِ عَلَى كُتُبِ الْإِسْلَامُ الصَّحِيحَةِ، وَتَرْجَمُوا كَثِيرًا مِنْ مُؤَلَّفَاتِهِمُ الْعِلْمِيَّةِ، وَشَاهَدُوا عِبَادَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَحَاطُوا عِلْمًا بِتَارِيخِهِمْ وَسَمَحَ اتِّسَاعُ حُرِّيَّةِ الْعِلْمِ لِمُسْتَقِلِّي الْفِكْرِ مِنْهُمْ أَنْ يُصَرِّحُوا قَوْلًا وَكِتَابَةً بِمَا عَلِمُوا مِنْ ذَلِكَ، فَشَهِدَ الْكَثِيرُونَ مِنْ عُلَمَاءِ الْقَرْنِ الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ بِأَنَّ عَقِيدَةَ الْإِسْلَامِ أَكْمَلُ عَقَائِدِ التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ الَّتِي يَتَقَبَّلُهَا الْعَقْلُ السَّلِيمُ بِالتَّسْلِيمِ، وَأَنَّ عِبَادَاتِهِ مُوَافِقَةٌ لِلْفِطْرَةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَأَنَّ أَحْكَامَهُ عَادِلَةٌ، وَقَدْ أَلَّفُوا فِي ذَلِكَ كُتُبًا كَثِيرَةً فَنَّدُوا فِيهَا مَطَاعِنَ رِجَالِ الْكَنِيسَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَقَدْ نَشَرْنَا بَعْضَ هَذِهِ الشَّهَادَاتِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْمَنَارِ، مِنْ أَهَمِّهَا مَا جَاءَ فِي الْمُجَلَّدِ الْخَامِسِ (مَقَالَاتُ الْإِسْلَامِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ) لِلْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَقَدْ جُمِعَتْ فِي كِتَابٍ مُسْتَقِلٍّ. وَمِنْهَا كِتَابُ الدَّعْوَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ لِلْأُسْتَاذِ أَرْنُولْدَ الْإِنْكِلِيزِيِّ. وَقَدْ كَتَبَ فَيْلَسُوفُ التَّارِيخِ وَالِاجْتِمَاعِ غُوسْتَافُ لُوبُونُ الْفَرَنْسِيُّ رُقْعَةً بَرِيدِيَّةً لِأَدِيبٍ تُرْكِيٍّ بَعْدَ الْحَرْبِ الْكُبْرَى قَالَ فِيهَا: إِنَّهُ أَلَّفَ كِتَابًا كَبِيرًا فِي (حَضَارَةِ الْعَرَبِ) ; لِيُثْبِتَ لِقَوْمِهِ أَنَّ الْعَرَبَ الْمُسْلِمِينَ أَسَاتِذَةُ أُورُبَّةَ كُلِّهَا فِي مَدَنِيَّتِهَا الْحَاضِرَةِ وَعُلُومِهَا. (قَالَ) : وَلَكِنَّ التَّرْبِيَةَ الْإِكْلِيرْكِيَّةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>