للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ فَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ أَسْمَاءَ بَعْضِ تِلْكَ الْكُتُبِ الَّتِي لَفَّقُوهَا، وَالْأَنَاشِيدِ وَالْأَغَانِي الَّتِي نَظَمُوهَا فِيمَا ذَكَرَ، لِتَهْيِيجِ الْمَسِيحِيِّينَ عَلَى الزَّحْفِ مِنْ أُورُبَّةَ إِلَى الشَّرْقِ ; لِإِبَادَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْقَضَاءِ عَلَى دِينِهِمْ، وَكَانَتْ كُلُّ تِلْكَ الْمُفْتَرَيَاتِ الَّتِي تَقْشَعِرُّ مِنْهَا الْجُلُودُ، وَيَكَادُ يَتَصَدَّعُ لِتَصَوُّرِهَا الْحَجَرُ الْجُلْمُودُ، تُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ وَالْإِذْعَانِ مِنْ جَمَاهِيرِ الشُّعُوبِ

الْأُورُبِّيَّةِ لِصُدُورِهَا عَنْ رِجَالِ الْكَنِيسَةِ الْمَعْصُومَةِ عِنْدَهُمْ، وَلَا تَزَالُ سُمُومُهَا تَسْرِي فِي أَرْوَاحِ الْمَلَايِينِ مِنْ نَابِتَتِهِمْ بِمَا يَنْفُثُهُ فِيهَا الْقِسِّيسُونَ الْمُرَبُّونَ، وَمَا يَكْتُبُهُ وَيَنْشُرُهُ الْمُبَشِّرُونَ، كَمَا بَيَّنَهُ اللُّورْدُ هِدِلِي الْإِنْكِلِيزِيُّ - بَعْدَ إِسْلَامِهِ - فِي كِتَابٍ مُسْتَقِلٍّ تُرْجِمَ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَا نَزَالُ نَرَى فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ مُفْتَرَيَاتِهِمْ بِمِصْرَ وَغَيْرِهَا مَا نَجْزِمُ بِأَنَّ الَّذِينَ يُدَوِّنُونَهُ فِي الْكُتُبِ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَذِبٌ وَبُهْتَانٌ، وَنَسْتَدِلُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَدِينُونَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ نَفْسِهَا ; لِاسْتِحَالَةِ إِبَاحَتِهَا لِلْكَذِبِ الَّذِي هُوَ شَرُّ الرَّذَائِلِ كُلِّهَا.

زَحَفَتِ الشُّعُوبُ الْأُورُبِّيَّةُ عَلَى سُورِيَةَ وَفِلَسْطِينَ وَمِصْرَ لِإِبَادَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَاقْتَرَفُوا فِيهَا بِاسْمِ الْمَسِيحِ مِثَالِ الْكَمَالِ وَالطَّهَارَةِ وَالْفَضِيلَةِ وَالزُّهْدِ وَالرَّحْمَةِ مِنَ النَّقَائِصِ وَالْأَرْجَاسِ وَالرَّذَائِلِ وَالْأَطْمَاعِ وَالْقَسْوَةِ، مَا لَمْ يَتَدَنَّسْ بِمِثْلِهِ شَعْبٌ مِنْ شُعُوبِ الْوَثَنِيَّةِ وَلَا الْقَبَائِلِ الْهَمَجِيَّةِ فِي تَارِيخِ الْبَشَرِ، ثُمَّ عَادُوا مِنَ الشَّرْقِ مَخْذُولِينَ. مَغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ، وَلَكِنَّهُمُ اسْتَفَادُوا مِنْ مَعْرِفَةِ حَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفَضَائِلِ وَالْعَدْلِ مَا كَانَ هُوَ السَّبَبَ لِنَهْضَةِ أُورُبَّةَ الْأَخِيرَةِ فِي الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ وَالسِّيَاسَةِ. يَعْتَرِفُ بِذَلِكَ فَلَاسِفَةُ الِاجْتِمَاعِ وَالتَّارِيخِ مِنْهُمْ، وَأَمَّا رِجَالُ السِّيَاسَةِ وَدُعَاةُ النَّصْرَانِيَّةِ فَلَا يَزَالُونَ يَفْتَرُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَلَا تَزَالُ سِيَاسَةُ أُورُبَّةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ حَرْبًا صَلِيبِيَّةً إِلَى الْيَوْمِ.

أَلَيْسَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بِالْإِيجَازِ سَبَبًا كَافِيًا لِجَهْلِ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ مِنْ شُعُوبِ أُورُبَّةَ بِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ. وَكِتْمَانِ كَثِيرٍ مِنَ الْعَارِفِينَ لِمَا يَعْرِفُونَهُ مِنْهُ، وَتَشْوِيهِ رِجَالِ السِّيَاسَةِ وَالدَّعَايَةِ الدِّينِيَّةِ لَهُ، وَمُحَاوَلَةِ طَمْسِ نُورِهِ كُلَّمَا لَاحَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْهُ؟ بَلَى، وَإِنَّهُمْ لَيَجِدُونَ مِنْ سِيرَةِ الْمُسْلِمِينَ الْجُغْرَافِيِّينِ وَالْخُرَافِيِّينَ فِي هَذَا الْعَصْرِ مَا يَجْعَلُونَهُ حُجَّةً عَلَى الطَّعْنِ فِي الْإِسْلَامِ نَفْسِهِ، بِدَعْوَى أَنَّ سُوءَ حَالِهِمْ مَا جَاءَتْهُمْ إِلَّا مِنْ تَعَالِيمِ

دِينِهِمْ، وَالْحَقُّ أَنَّهَا مَا جَاءَتْهُمْ إِلَّا مِنْ جَهْلِهِمْ لَهُ، وَتَرْكِهِمْ لِهِدَايَتِهِ، وَإِنَّهُمْ لِيَجِدُونِ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ الَّذِينَ أَفْسَدَهُمُ التَّفَرْنُجُ، وَمِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْفَاسِقِينَ عَنْ دِينِهِمْ مَنْ يُشَايِعُهُمْ أَوْ يُؤَيِّدُهُمْ فِي مَطَاعِنِهِمْ.

زِدْ عَلَى هَذَا سَبَبًا ثَالِثًا، وَهُوَ فُشُوُّ الْبِدَعِ وَالْخُرَافَاتِ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَإِقْرَارُ بَعْضِ الْحُكُومَاتِ لَهَا حَتَّى الْحُكُومَةَ الْمِصْرِيَّةَ الَّتِي جَعَلَتْ مِنْ أَسْبَابِ مُشَاقَّتِهَا لِحُكُومَةِ الْحِجَازِ بِدْعَةَ الْمَحْمَلِ، وَالَّتِي تَأْذَنُ بِاحْتِفَالَاتِ الْمَوَالِدِ وَأَمْثَالِهَا فِي الْمَسَاجِدِ، أَضِفْ إِلَى هَذَا سَبَبًا رَابِعًا هُوَ عِلَّةٌ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>