(قَالَ) : وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ تِلْكَ الرُّبُوبِيَّةَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهَا أَنَّهُمْ أَطَاعُوهُمْ فِيمَا كَانُوا مُخَالِفِينَ فِيهِ لِحُكْمِ اللهِ - وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهَا أَنَّهُمْ قَبِلُوا مِنْهُمْ أَنْوَاعَ الْكُفْرِ فَكَفَرُوا بِاللهِ - فَصَارَ ذَلِكَ جَارِيًا مَجْرَى أَنَّهُمُ اتَّخَذُوهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ - وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا فِي حَقِّهِمُ الْحُلُولَ وَالِاتِّحَادَ، وَكُلُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ مُشَاهَدٌ وَوَاقِعٌ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، انْتَهَى كَلَامُ الرَّازِيِّ.
(يَقُولُ مُحَمَّد رَشِيد) : إِنَّنَا أَوْرَدْنَا هَذَا عَنْ هَذَيْنِ الْمُفَسِّرَيْنِ مِنْ أَشْهَرِ مُفَسِّرِي الْقُرُونِ الْوُسْطَى وَأَكْبَرِ نُظَّارِهَا ; لِيَعْتَبِرَ بِهِ مُسْلِمُو هَذَا الْعَصْرِ الَّذِينَ يُقَلِّدُونَ شُيُوخَ مَذَاهِبِهِمُ الْمَوْرُوثَةِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، بِدُونِ نَصٍّ مِنْ كِتَابِ اللهِ قَطْعِيِّ الدِّلَالَةِ، أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ الْقَطْعِيَّةِ الْمُتَّبَعَةِ بِالْعَمَلِ الْمُتَوَاتِرِ، وَلَا مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ ظَاهِرِ الدِّلَالَةِ أَيْضًا، بَلْ فِيمَا يُخَالِفُ النُّصُوصَ وَكَذَا أُصُولَ أَئِمَّتِهِمْ أَيْضًا - وَالَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَشَايِخَ الطُّرُقِ فِي بِدَعِهِمْ وَغُلُوِّهِمْ وَضَلَالِهِمْ، وَيُوجَدُ فِيهِمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ
مَنْ هُمْ مِثْلَ مَنْ ذَكَرَ الرَّازِيُّ، وَمَنْ هُمْ شَرٌّ مِنْهُمْ، وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ مُعَاصِرٍ مِنَ الدَّجَّالِينَ الْمُنْتَحِلِينَ لِلتَّصَوُّفِ فِي مِصْرَ، أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ الزَّائِرِينَ لَهُ مِمَّنْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالْخُرَافَاتِ: إِنَّ مُرِيدِيَّ وَأَتْبَاعِي يَعْتَقِدُونَ أَنَّنِي أَعْلَمُ الْغَيْبَ فَمَاذَا أَفْعَلُ؟ وَبَلَغَنِي عَنْ رَجُلَيْنِ لَا يَعْرِفُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا رَأَى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامَ أَحَدَ تَلَامِيذِ هَذَا الدَّجَّالِ يَقُولُ: نَوَيْتُ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ لِسَيِّدِي الشَّيْخِ فُلَانٍ - أَوْ قَالَ: لِوَجْهِ الشَّيْخِ فُلَانٍ.
وَأَمَّا الْمُقَلِّدُونَ لِمُنْتَحِلِي الْفِقْهِ الْمَذْهَبِيِّ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَ بِآرَائِهِمْ وَتَقَالِيدِهِمْ أَنَّهُ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ، وَإِنْ خَالَفَ السُّنَّةَ وَنَصَّ الْقُرْآنِ، فَهَذَا دَاءٌ عَامٌّ قَلَّمَا كُنْتَ تَجِدُ قَبْلَ هَذِهِ السِّنِينَ الْأَخِيرَةِ فِي الْبَلَدِ الْكَبِيرِ أَحَدًا يُخَالِفُهُ، فَيُؤْثِرُ مَا صَحَّ فِي كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِ مَذْهَبِهِ إِلَّا أَفْرَادًا غَيْرَ مُجَاهِرِينَ، وَنَحْمَدُ اللهَ تَعَالَى أَنْ رَأَيْنَا تَأْثِيرًا كَبِيرًا لِدَعْوَتِنَا الْمُسْلِمِينَ إِلَى هِدَايَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَصَارَ يُوجَدُ فِي مِصْرَ وَغَيْرِهَا أُلُوفٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى هَذِهِ الْهِدَايَةِ، وَمِنْهُمُ الدُّعَاةُ إِلَيْهَا، وَأُولُو الْجَمْعِيَّاتِ الَّتِي أُسِّسَتْ لِلتَّعَاوُنِ عَلَى نَشْرِهَا، عَلَى تَفَاوُتٍ بَيْنَهُمْ فِي الْعِلْمِ بِهِمَا. وَجَهْلِ بَعْضِهِمْ أَصْلَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ، وَمَنْ جَدَّدَ نَشْرَهَا.
(وَقَالَ) السَّيِّدُ حَسَن صِدِّيق فِي تَفْسِيرِهِ (فَتْحِ الْبَيَانِ فِي مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ) مَا نَصُّهُ: وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا يَزْجُرُ مَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ، عَنِ التَّقْلِيدِ فِي دِينِ اللهِ، وَتَأْثِيرِ مَا يَقُولُهُ الْأَسْلَافُ، عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ. فَإِنَّ طَاعَةَ الْمُتَمَذْهِبِ لِمَنْ يَقْتَدِي بِقَوْلِهِ وَيَسْتَنُّ بِسُنَّتِهِ مِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِمَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ، وَقَامَتْ بِهِ حُجَجُ اللهِ وَبَرَاهِينُهُ، وَنَطَقَتْ بِهِ كُتُبُهُ وَأَنْبِيَاؤُهُ، هُوَ كَاتِّخَاذِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِلْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ، بَلْ أَطَاعُوهُمْ، وَحَرَّمُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute