للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا حَرَّمُوا، وَحَلَّلُوا مَا حَلَّلُوا، وَهَذَا هُوَ صَنِيعُ الْمُقَلِّدِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَهُوَ أَشْبَهُ بِهِ مِنْ شَبَهِ الْبَيْضَةِ بِالْبَيْضَةِ، وَالتَّمْرَةِ بِالتَّمْرَةِ، وَالْمَاءِ

بِالْمَاءِ. فَيَا عِبَادَ اللهِ، وَيَا أَتْبَاعَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، مَا بَالُكُمْ تَرَكْتُمُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ جَانِبًا، وَعَمَدْتُمْ إِلَى رِجَالٍ هُمْ مِثْلُكُمْ فِي تَعَبُّدِ اللهِ لَهُمْ بِهِمَا، وَطَلَبِهِ لِلْعَمَلِ مِنْهُمْ بِمَا دَلَّا عَلَيْهِ وَأَفَادَاهُ؟ فَعَمِلْتُمْ بِمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْآرَاءِ الَّتِي لَمْ تُعَمَّدْ بِعِمَادِ الْحَقِّ، وَلَمْ تُعَضَّدْ بِعَضُدِ الدِّينِ، وَنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَلْ تُنَادِي بِأَبْلَغِ نِدَاءٍ، وَتُصَوِّتُ بِأَعْلَى صَوْتٍ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، وَيُبَايِنُهُ، فَأَعَرْتُمُوهُمَا آذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا، وَأَفْهَامًا مَرِيضَةً، وَعُقُولًا مَهِيضَةً، وَأَذْهَانًا كَلَيْلَةً، وَخَوَاطِرَ عَلِيلَةً، وَأَنْشَدْتُمْ بِلِسَانِ الْحَالِ:

وَمَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ ... غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشَدِ

فَدَعُوا أَرْشَدَكُمُ اللهُ وَإِيَّايَ كُتُبًا كَتَبَهَا لَكُمُ الْأَمْوَاتُ مِنْ أَسْلَافِكُمْ، وَاسْتَبْدَلُوا بِهَا كِتَابَ اللهِ خَالِقِهِمْ وَخَالِقِكُمْ، وَمُتَعَبَّدِهِمْ وَمُتَعَبَّدِكُمْ، وَمَعْبُودِهِمْ وَمَعْبُودِكُمْ، وَاسْتَبْدَلُوا بِأَقْوَالِ مَنْ تَدْعُونَهُمْ بِأَئِمَّتِكُمْ، وَمَا جَاءُوكُمْ بِهِ مِنَ الرَّأْيِ أَقْوَالَ إِمَامِكُمْ وَإِمَامِهِمْ، وَقُدْوَتِهِمْ وَقُدْوَتِكُمْ وَهُوَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ.

دَعُوا كُلَّ قَوْلٍ عِنْدَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَمَا آمِنٌ فِي دِينِهِ كَمُخَاطِرِ

اللهُمَّ هَادِيَ الضَّالِّ مُرْشِدَ التَّائِهِ مُوَضِّحَ السَّبِيلِ اهْدِنَا إِلَى الْحَقِّ، وَأَرْشِدْنَا إِلَى الصَّوَابِ، وَأَوْضِحْ لَنَا مَنْهَجَ الْهِدَايَةِ، اهـ.

(أَقُولُ) : وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ اتِّخَاذَ الْأَرْبَابِ غَيْرُ اتِّخَاذِ الْآلِهَةِ، وَأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ وَيَفْتَرِقَانِ، فَإِنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ هُوَ خَالِقُهُمْ، وَمُرَبِّيهِمْ بِنِعَمِهِ، وَمُدَبِّرُ أُمُورِهِمْ بِسُنَّتِهِ الْحَكِيمَةِ، وَشَارِعُ الدِّينِ لَهُمْ، وَأَمَّا الْإِلَهُ فَهُوَ الْمَعْبُودُ بِالْفِعْلِ، أَيِ: الَّذِي تَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ قُلُوبُ الْعِبَادِ بِالْأَعْمَالِ النَّفْسِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ وَالتُّرُوكِ، لِلْقُرْبَةِ وَرَجَاءِ الثَّوَابِ وَمَنْعِ الْعِقَابِ عَنِ اعْتِقَادِ أَنَّهُ صَاحِبُ السُّلْطَانِ الْأَعْلَى، وَالْقُدْرَةِ عَلَى النَّفْعِ وَالضُّرِّ بِالْأَسْبَابِ الْمَعْرُوفَةِ وَغَيْرِ الْمَعْرُوفَةِ إِذْ هُوَ مُسَخِّرُهَا، وَبِغَيْرِهَا إِنْ شَاءَ، وَالْحَقِيقُ بِالْعِبَادَةِ هُوَ الرَّبُّ الْخَالِقُ الْمُدَبِّرُ وَحْدَهُ، وَلَكِنَّ مِنَ الْبَشَرِ مَنْ يَتْرُكُ عِبَادَتَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُ غَيْرَهُ مَعَهُ أَوْ مِنْ دُونِهِ. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَتَّخِذُ أَصْنَامًا تَعْبُدُهَا، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَّخِذُوهَا أَرْبَابًا، بَلْ شَهِدَ الْقُرْآنُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ وَيُصَرِّحُونَ بِأَنَّ اللهَ الْخَالِقَ لِكُلِّ شَيْءٍ هُوَ

رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَمُدَبِّرُ أَمْرِهِ، وَهُوَ يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الرَّبَّ هُوَ الْحَقِيقُ بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْبُدُوا أَحَدًا مِنْ دُونِهِ لَا بَشَرًا وَلَا مَلَكًا وَلَا شَيْئًا سُفْلِيًّا وَلَا عُلْوِيًّا.

فَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ إِنْسَانًا أَوْ مَلَكًا أَوْ غَيْرَهُمَا مِنَ الْمَوْجُودَاتِ يَخْلُقُ كَمَا يَخْلُقُ اللهُ، أَوْ يَقْدِرُ عَلَى تَدْبِيرِ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْخَلْقِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِقُدْرَتِهِ الذَّاتِيَّةِ، غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِسُنَنِ اللهِ تَعَالَى الْعَامَّةِ فِي الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ كَأَمْثَالِهِ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ فَقَدِ اتَّخَذَهُ رَبًّا. وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْطَى أَيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>