للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِنْسَانٍ حَقَّ التَّشْرِيعِ الدِّينِيِّ بِوَضْعِ الْعِبَادَاتِ كَالْأَوْرَادِ الْمُبْتَدَعَةِ الَّتِي تُتَّخَذُ شَعَائِرَ مَوْقُوْتَةً كَالْفَرَائِضِ، وَبِالتَّحْرِيمِ الدِّينِيِّ الَّذِي يُتَّبَعُ خَوْفًا مِنْ سُخْطِ اللهِ وَرَجَاءً فِي ثَوَابِهِ - فَقَدِ اتَّخَذَهُ رَبًّا، وَأَمَّا إِذَا دَعَاهُ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمَخْلُوقُونَ بِمَا لَهُمْ مِنَ الْكَسْبِ فِي دَائِرَةِ السُّنَنِ الْكَوْنِيَّةِ وَالْأَسْبَابِ الدُّنْيَوِيَّةِ، أَوْ سَجَدَ لَهُ أَوْ ذَبَحَ الْقَرَابِينَ لَهُ، وَذَكَرَ عَلَيْهَا اسْمَهُ، أَوْ طَافَ بِقَبْرِهِ وَتَمَسَّحَ بِهِ وَقَبَّلَهُ تَقَرُّبًا إِلَيْهِ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ وَعَطْفِهِ أَوْ إِرْضَائِهِ اللهَ عَنْهُ، وَتَقْرِيبِهِ إِلَيْهِ زُلْفَى كَمَا يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَيُقَبِّلُهُ - وَلَمْ يَعْتَقِدْ مَعَ هَذَا أَنَّهُ يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ وَيُدَبِّرُ أُمُورَ الْعِبَادِ - فَقَدِ اتَّخَذَهُ إِلَهًا لَا رَبًّا، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَهُوَ الْمُشْرِكُ فِي الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ مَعًا كَمَا بَيَّنَّا هَذَا مِرَارًا كَثِيرَةً، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْآيَاتِ الْمُحْكَمَةِ الْقَطْعِيَّةِ الدِّلَالَةِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ شَارِعُ الدِّينِ، وَأَنَّ رَسُولَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ هُوَ الْمُبَلِّغُ لَهُ عَنْهُ: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ (٤٢: ٤٨) وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ (٥: ٩٩) وَفَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ فَهَذِهِ أَنْوَاعُ الْحَصْرِ الَّتِي هِيَ أَقْوَى الدِّلَالَاتِ. وَأَرْكَانُ الدِّينِ الَّتِي لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِنَصِّ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى أَوْ بَيَانِ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِمُرَادِهِ مِنْهُ ثَلَاثَةٌ: (١) الْعَقَائِدُ. (٢) الْعِبَادَاتُ الْمُطْلَقَةُ وَالْمُقَيَّدَةُ بِالزَّمَانِ أَوِ الْمَكَانِ أَوِ الصِّفَةِ أَوِ الْعَدَدِ، كَكَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ الْمَعْدُودَةِ، الْمَشْرُوطِ فِيهَا رَفْعُ الصَّوْتِ. (٣) التَّحْرِيمُ الدِّينِيُّ. وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَيَثْبُتُ بِاجْتِهَادِ الرَّأْيِ فِيمَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ نَصٌّ، وَمَدَارُهُ عَلَى إِقَامَةِ الْمَصَالِحِ، وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَحَلِّهِ بِالتَّفْصِيلِ، وَنُصُوصُ الْكِتَابِ وَهَدْيُ السُّنَّةِ، وَعَمَلُ السَّلَفِ الصَّالِحِ،

وَكَلَامُهُمْ كَثِيرٌ فِي هَذَا، وَلَا سِيَّمَا التَّحْرِيمُ الدِّينِيُّ الَّذِي هُوَ مَوْضُوعُنَا هُنَا وَكَوْنُهُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ قَطْعِيِّ الرِّوَايَةِ وَالدِّلَالَةِ. نَقَلَ ابْنُ مُفْلِحٍ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَةَ أَنَّ السَّلَفَ لَمْ يُطْلِقُوا الْحَرَامَ إِلَّا عَلَى مَا عُلِمَ تَحْرِيمُهُ قَطْعًا، وَذَكَرَ عَقِبَهُ أَنَّ فِي إِطْلَاقِ الْحَرَامِ عَلَى مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ رِوَايَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ. وَنَحْنُ نَقُولُ يَكْفِينَا هَدْيُ السَّلَفِ الصَّالِحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَهُمْ تَرْجِيحًا لِلرِّوَايَةِ الْمُوَافِقَةِ لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَغَيْرُهُ وَتَضْعِيفًا لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَإِنْ جَرَى عَلَيْهَا الْكَثِيرُونَ أَوِ الْأَكْثَرُونَ مِنَ الْمُؤَلِّفِينَ الْمُقَلِّدِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَتَبِعَهُمُ الْعَوَامُّ حَتَّى عَسَّرُوا مَا يَسَّرَهُ اللهُ مِنْ دِينِهِ، وَأَوْقَعُوا أَنْفُسَهُمْ وَالنَّاسَ فِي أَشَدِّ الْحَرَجِ الَّذِي نَفَى اللهُ تَعَالَى قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ بِقَوْلِهِ: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (٢٢: ٧٨) وَمَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ (٥: ٦) وَيُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (٢: ١٨٥) .

وَرَوَى الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنِ الْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَةَ عَنِ السَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى، وَلَكِنْ بِعِبَارَةٍ أَخَصَّ وَأَقْوَى وَهِيَ:

"

<<  <  ج: ص:  >  >>