مِثْلَ مَا لِلَّهِ، إِمَّا بِالذَّاتِ وَإِمَّا بِالْوَسَاطَةِ عِنْدَهُ تَعَالَى وَالشَّفَاعَةِ
لَدَيْهِ، وَهِيَ الشَّفَاعَةُ الشِّرْكِيَّةُ الْمَنْفِيَّةُ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيْ: تَنْزِيهًا لَهُ - عَنْ شِرْكِهِمْ فِي أُلُوهِيَّتِهِ بِدُعَاءِ غَيْرِهِ مَعَهُ أَوْ مِنْ دُونِهِ، وَفِي رُبُوبِيَّتِهِ بِطَاعَةِ الرُّؤَسَاءِ فِي التَّشْرِيعِ الدِّينِيِّ بِدُونِ إِذْنِهِ. أَمَّا أَمْرُ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُمْ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ عَلَى لِسَانِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ فِي مَوَاضِعَ مِنَ التَّوْرَاةِ، أَظْهَرُهَا وَأَشْهَرُهَا أَوَّلُ الْوَصَايَا الْعَشْرِ الَّتِي جَاءَتْ فِي سِفْرِ الْخُرُوجِ، أَنَّ اللهَ تَعَالَى كَتَبَهَا لِمُوسَى عِنْدَ مُنَاجَاتِهِ فِي سَيْنَاءَ بِأُصْبُعِهِ عَلَى لَوْحَيِ الْعَهْدِ، وَهَذَا أَوَّلُهَا: " أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ، لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي، لَا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا وَلَا صُورَةً مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَلَا مِمَّا فِي الْأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَلَا مِمَّا فِي الْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْضِ، لَا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلَا تَعْبُدْهُنَّ، لِأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكَ إِلَهٌ غَيُورٌ " إِلَخْ.
وَأَمَّا أَمْرُهُ تَعَالَى إِيَّاهُمْ بِهَا عَلَى لِسَانِ عِيسَى الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَتَجِدُ مِنْهُ فِيمَا رَوَاهُ يُوحَنَّا فِي إنْجِيلِهِ قَوْلَهُ: (٧: ٣ وَهَذِهِ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الْإِلَهُ الْحَقِيقِيُّ وَحْدَكَ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ) وَفِي إِنْجِيلِ بَرْنَابَا - الَّذِي تَعُدُّهُ الْكَنِيسَةُ غَيْرَ قَانُونِيٍّ - مِنْ آيَاتِ التَّوْحِيدِ الْمُطْلَقِ الْمُجَرَّدِ مِنْ جَمِيعِ شَوَائِبِ الشِّرْكِ مَا هُوَ أَجْدَرُ مِنَ الْأَنَاجِيلِ الْأَرْبَعَةِ الْقَانُونِيَّةِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ الصَّحِيحِ الْمُوحَى إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ وَصَفَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِوَصْفٍ ثَالِثٍ فِي تَفْصِيلِ حَالِ كُفْرِهِمُ الْمُجْمَلِ الْمُتَقَدِّمِ بَعْدَ وَصْفِهِمْ بِاتِّخَاذِ ابْنِ اللهِ وَرُؤَسَائِهِمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ - وَهُوَ:
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ أَيْ: يُرِيدُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ الَّذِي أَفَاضَهُ عَلَى الْبَشَرِ بِهِدَايَةِ دِينِهِ الْحَقِّ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَى مُوسَى
وَعِيسَى وَغَيْرِهِمَا مِنْ رُسُلِهِ، ثُمَّ أَتَمَّهُ وَأَكْمَلَهُ بِبَعْثَةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِالطَّعْنِ فِي الْإِسْلَامِ وَالصَّدِّ عَنْهُ بِالْبَاطِلِ. كَمَا فَعَلُوا مِنْ قَبْلُ بِمِثْلِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ فِي عُزَيْرٍ وَالْمَسِيحِ، الَّتِي لَمْ تَتَجَاوَزْ أَفْوَاهَهُمْ إِلَى مَعْنًى صَحِيحٍ، وَبِمَا ابْتَدَعَهُ الرُّؤَسَاءُ لَهُمْ مِنَ التَّشْرِيعِ، حَتَّى صَارَ التَّوْحِيدُ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ عِنْدَهُمْ شِرْكًا، وَالْعَبْدُ الْمَرْبُوبُ رَبًّا، وَالْعَابِدُ الْمَأْلُوهِ إِلَهًا عَلَى تَفَاوُتٍ بَيْنَ فِرَقِهِمْ فِي ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ.
وَالْإِرَادَةُ فِي الْأَصْلِ: الْقَصْدُ إِلَى الشَّيْءِ، وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى مَا يُفْضِي إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَصَوَّرْهُ فَاعِلُهُ. يُقَالُ فِي الرَّجُلِ الْمُسْرِفِ الْمُبَذِّرِ: يُرِيدُ أَنْ يُخْرِبَ بَيْتَهُ. أَوْ: أَنْ يَتْرُكَ أَوْلَادَهُ فُقَرَاءَ أَيْ أَنَّ تَبْذِيرَهُ يُفْضِي إِلَى ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ بِقَصْدِهِ ; لِأَنَّ فِعْلَهُ فِعْلُ مَنْ يَقْصِدُ ذَلِكَ. وَأَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ عَادَوُا الْإِسْلَامَ مُنْذُ الْبَعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ كَانُوا يَقْصِدُونَ إِبْطَالَهُ وَالْقَضَاءَ عَلَيْهِ بِالْحَرْبِ وَالْقِتَالِ مِنْ جِهَةٍ، وَبِإِفْسَادِ الْعَقَائِدِ وَالطَّعْنِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا، وَكُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ يَصِحُّ التَّعْبِيرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute