للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصُّوفِيَّةِ مُفِيدَةٌ فِي فَلْسَفَةِ الْأَخْلَاقِ وَعِلْمِ النَّفْسِ وَخَوَاصِّ الْأَرْوَاحِ، وَالِاسْتِفَادَةُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا خَاصَّةٌ بِأَهْلِ الْبَصِيرَةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ.

وَمِنْ خِيَارِ الصُّوفِيَّةِ الْوُعَّاظِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ مَنْصُورُ بْنُ عَمَّارٍ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي كِتَابِ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ نَهَى عَنْ كَلَامِهِ وَالِاسْتِمَاعِ لِلْقَاصِّ بِهِ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الْحُسَيْنِ قَالَ: إِنَّمَا رَأَى إِمَامُنَا أَحْمَدُ النَّاسَ لَهِجِينَ بِكَلَامِهِ، وَقَدِ اشْتُهِرُوا بِهِ حَتَّى رَوَوْهُ وَفَصَّلُوهُ مَجَالِسَ يَحْفَظُونَهَا وَيُلْقُونَهَا وَيُكْثِرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دِرَاسَتَهَا فَكَرِهَ لَهُمْ أَنْ يَلْهُوا بِذَلِكَ عَنْ كِتَابِ اللهِ، وَيَشْتَغِلُوا بِهِ عَنْ كُتُبِ السُّنَّةِ وَأَحْكَامِ الْمِلَّةِ لَا غَيْرُ اهـ.

فَإِنْ كَانَتْ حَالُ النَّاسِ هَكَذَا فِي زَمَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، زَمَنِ حِفْظِ السُّنَّةِ وَرِوَايَتِهَا وَالتَّفَقُّهِ وَالْعَمَلِ بِهَا، وَاشْتِرَاكِ الصُّوفِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَمَاذَا عَسَى أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا الزَّمَنِ وَأَهْلِهِ وَأَنْتَ لَا تَجِدُ فِي عُلَمَاءِ مِصْرَ حَافِظًا، وَلَا مَنْ يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى مُحَدِّثًا، دَعْ

مُتَصَوِّفَتَهُ الَّذِينَ يَسْتَحْوِذُ عَلَى أَكْثَرِهِمُ الْجَهْلُ، وَيُوجَدُ فِيهِمُ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يَتَّخِذُهُمُ الْأَجَانِبُ جَوَاسِيسَ وَدُعَاةً لِلِاسْتِعْمَارِ، مُحْتَجِّينَ بِشُبْهَةِ الرِّضَا بِالْأَقْدَارِ، وَهُمْ أَكْبَرُ مَصَائِبِ الْإِسْلَامِ فِي الْمُسْتَعْمَرَاتِ الْفَرَنْسِيَّةِ الْإِفْرِيقِيَّةِ وَمِنْ شُيُوخِهِمْ مَنْ يَأْخُذُ الرَّوَاتِبَ الْمَالِيَّةَ مِنْ حُكَّامِهَا، وَمَنْ نَالَ بَعْضَ أَوْسِمَتِهَا الشَّرَفِيَّةِ.

فَهَذَا نَمُوذَجٌ مِنْ كَلَامِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ نَدْعُمُ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْحُجَجِ وَالنُّصُوصِ فِي دَعْوَةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ وَالِاهْتِدَاءِ بِهِ، وَبِمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ بَيَانِهِ وَالِاكْتِفَاءِ بِعِبَادَاتِهِمَا وَأَذْكَارِهِمَا وَالِاسْتِغْنَاءِ بِهَا عَنْ كُلِّ مَا عَدَاهَا مِنْ غَيْرِ غُلُوٍّ وَلَا تَكَلُّفٍ لِمَا لَا يَسْهُلُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِ، وَالتَّفَرُّغُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْقِيَامِ بِفُرُوضِ الْكِفَايَاتِ مِنَ الدِّفَاعِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَتَعْزِيزِهِ، وَدَفْعِ الْأَذَى وَالِاسْتِعْبَادِ وَالظُّلْمِ عَنْ أَهْلِهِ، وَإِعْزَازِ الْأُمَّةِ بِالْقُوَّةِ وَالثَّرْوَةِ بِالطُّرُقِ الْمَشْرُوعَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْفُنُونِ الصَّحِيحَةِ وَالنِّظَامِ، وَإِنْفَاقِهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ تِلْكَ الْأَوْرَادِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ أَنْ تَكُونَ مِنْ نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا أَيِ: اتَّخَذَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى رُؤَسَاءَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ تَعَالَى، وَالرُّبُوبِيَّةُ تَسْتَلْزِمُ الْأُلُوهِيَّةَ بِالذَّاتِ، إِذِ الرَّبُّ هُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْبَدَ وَحْدَهُ - وَاتَّخَذَ النَّصَارَى الْمَسِيحَ رَبًّا وَإِلَهًا، وَالْحَالُ أَنَّهُمْ مَا أُمِرُوا عَلَى لِسَانِ مُوسَى وَعِيسَى وَمَنِ اتَّبَعَهُمَا فِيمَا جَاءَا بِهِ عَنِ اللهِ إِلَّا أَنْ يَعْبُدُوا وَيُطِيعُوا فِي الدِّينِ إِلَهًا وَاحِدًا بِمَا شَرَعَهُ هُوَ لَهُمْ، وَهُوَ رَبُّهُمْ وَرَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لَا صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِإِلَهٍ، فَهِيَ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِعِبَادَةِ إِلَهٍ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لِغَيْرِهِ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ، وَلَا فِي نَظَرِ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا اتَّخَذَ الْمُشْرِكُونَ آلِهَةً مِنْ دُونِهِ بِمَحْضِ الْهَوَى وَالْجَهْلِ، إِذْ ظَنَّ هَؤُلَاءِ الْجَاهِلُونَ أَنَّ لِبَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ السُّلْطَانِ الْغَيْبِيِّ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الضُّرِّ وَالنَّفْعِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْأَسْبَابِ الْمُسَخَّرَةِ لِلْخَلْقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>