للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دُونَ الْمُشْكِلِ مِنْ كَلَامِ الْعَارِفِينَ؟ فَأَجَابَهُ بِأَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ الْقَطْعُ بِعِصْمَةِ الْقُرْآنِ، وَمَا صَحَّ عَنِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، وَعَدَمِ عِصْمَةِ هَؤُلَاءِ الشُّيُوخِ مِنَ الْخَطَأِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ كِتَابِهِ الدُّرَرِ وَالْجَوَاهِرِ، وَهُوَ حَقٌّ.

وَإِنَّنِي أَضْرِبُ لَكَ مَثَلًا لِلْغُرُورِ بِكُتُبِ هَؤُلَاءِ الصُّوفِيَّةِ عَنِ الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، نَقَلَ عَنْهُ الشَّعْرَانِيُّ أَنَّهُ قَالَ: عَمَلْتُ كِتَابًا فِي الْمَعْرِفَةِ، وَأُعْجِبْتُ بِهِ فَبَيْنَمَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ أَنْظُرُ فِيهِ مُسْتَحْسِنًا لَهُ إِذْ دَخَلَ عَلَيَّ شَبَابٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ رَثَّةٌ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ الْمَعْرِفَةُ حَقٌّ لِلْحَقِّ عَلَى الْخَلْقِ أَوْ حَقٌّ لِلْخَلْقِ عَلَى الْحَقِّ؟ فَقُلْتُ: أَحَقُّ عَلَى الْخَلْقِ لِلْحَقِّ، فَقَالَ: هُوَ أَوْلَى أَنْ يَكْشِفَهَا لِمُسْتَحِقِّهَا، فَقُلْتُ: بَلْ حَقٌّ لِلْخَلْقِ عَلَى الْحَقِّ، فَقَالَ هُوَ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يَظْلِمَهُمْ. ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيَّ وَخَرَجَ. قَالَ الْحَارِثُ: فَأَخَذْتُ الْكِتَابَ وَحَرَقْتُهُ، وَقُلْتُ: لَا عُدْتُ أَتَكَلَّمُ فِي الْمَعْرِفَةِ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ.

(أَقُولُ) يَعْنِي بِالْمَعْرِفَةِ هُنَا الْمَعْرِفَةَ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهَا عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ، وَإِنَّمَا رَجَعَ عَنْهَا الْحَارِثُ لِاقْتِنَاعِهِ بِقَوْلِ الشَّابِّ وَتَذَكُّرِهِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَشْرُوعَةً مَرَضِيَّةً لِلَّهِ تَعَالَى لَبَيَّنَهَا فِي كِتَابِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ (١٦: ٨٩) وَيُرْوَى عَنْ ذِي النُّونِ الصُّوفِيِّ الشَّهِيرِ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِعَارِفٍ مَنْ وَصَفَ الْمَعْرِفَةَ عِنْدَ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ فَكَيْفَ عِنْدَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا؟ يَعْنِي أَنَّ وَصْفَهَا لَا يَجُوزُ إِلَّا لِأَهْلِهَا الْعَارِفِينَ؛ وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ خَاضَ مِنْ كَلَامِ صُوفِيَّةِ الْحَقَائِقِ غَيْرَ عَالِمٍ بِرُمُوزِهِمْ ضَلَّ وَرُبَّمَا كَفَرَ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ سُلُوكُ طَرِيقَتِهِمْ إِلَّا عَلَى يَدِ شَيْخٍ عَارِفٍ مِنَ الْوَاصِلِينَ، وَالْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ. وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ أَبُو الْمَحَاسِنِ الْقَاوَقْجِيُّ مِنْ كِبَارِ الْعُبَّادِ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ، وَقَدْ رُوِيَتْ عَنْهُ الْأَحَادِيثُ الْمُسَلْسَلَةُ وَغَيْرُهَا، وَكَانَ مِنْ شُيُوخِ طَرِيقَةِ الشَّاذِلِيِّ، فَقُلْتُ لَهُ يَوْمًا: إِنَّنِي لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ

الطَّرِيقِ الْمُقَلِّدِينَ، الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى قِرَاءَةِ حِزْبِ الْبِرِّ وَهَذِهِ الْأَذْكَارِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا أُرِيدُ السُّلُوكَ الصَّحِيحَ بِالرِّيَاضَةِ وَالتَّعَبُّدِ السِّرِّيِّ كَالْمُتَقَدِّمِينَ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَتَوَلَّى ذَلِكَ مَعِي؟ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنَّنِي لَسْتُ أَهْلًا لِذَلِكَ فَلَا أَغُشُّكَ وَأَغُشُّ نَفْسِي أَوْ كَمَا قَالَ:

وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ، وَأَحَبَّ أَنْ يَسْتَفِيدَ مِنْ كَلَامِ خِيَارِ الصُّوفِيَّةِ فِي الْحَقَائِقِ مَعَ الْتِزَامِ السُّنَّةِ وَسِيرَةِ السَّلَفِ فِي الْعِبَادَةِ فَعَلَيْهِ بِكِتَابِ (مَدَارِجِ السَّالِكِينَ) لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْقَيِّمِ شَرْحِ (مَنَازِلِ السَّائِرِينَ) لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْهَرَوِيِّ الْأَنْصَارِيِّ فَإِنَّ فِيهِ خُلَاصَةَ مَعَارِفِ الصُّوفِيَّةِ الَّتِي لَا تُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ مَعَ الرَّدِّ عَلَى مَا خَالَفَهُمَا، وَأَمَّا كُتُبُهُمْ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ الدِّينِيَّةِ فَيُغْنِي عَنْهَا كُلِّهَا (كِتَابُ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْمِنَحِ الْمَرْعِيَّةِ) لِابْنِ مُفْلِحٍ الْفَقِيهِ الْحَنْبَلِيِّ، فَإِنَّهُ مُسْتَمَدٌّ مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَلَامِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ الْمُتَّفَقِ عَلَى جَلَالَتِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَهَذَا مَا نَنْصَحُ بِهِ لِجُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ الصَّحِيحَ لِلْعَمَلِ. وَثَمَّ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ لِعُلَمَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>