وَمَا بُنِيَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ، لَمْ يَكُنْ إِلَّا مِنْ تَأْثِيرِ الْحَضَارَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالِاقْتِبَاسِ مِنْ كُتُبِهَا، وَمِنَ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ مُلِمٍّ بِالتَّارِيخِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْيَابَانَ اقْتَبَسَتْ حَضَارَتَهَا وَقُوَّتَهَا مِنْ أُورُبَّةَ فِي الْقَرْنِ الْمَاضِي، وَحَضَارَةُ الْعَرَبِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهَا سَبَبٌ إِلَّا هِدَايَةَ دِينِهِمْ.
وَقَدْ قَصَّرَ جَمِيعُ الْمُفَسِّرِينَ الَّذِينَ اطَّلَعْنَا عَلَى كُتُبِهِمْ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ ; لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَأْخُذُونَ تَفَاسِيرَهُمْ مِنْ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ دُونَ تَحْقِيقٍ لِمَدْلُولَاتِهَا فِي الْخَارِجِ وَمِنَ الرِّوَايَاتِ الْمَأْثُورَةِ عَلَى قِلَّتِهَا وَقِلَّةِ مَا يَصِحُّ مِنْهَا، وَقَدْ صَحَّ فِي بَعْضِهَا قَوْلُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ شَابٍّ مِنْ مُحَارِبٍ مَرْفُوعًا " أَنَّهُ سَتُفْتَحُ لَكُمْ مَشَارِقُ الْأَرْضِ وَمَغَارِبُهَا " وَهُوَ مُطْلَقٌ
غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِمَا رُوِيَ لَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَطْلَعَهُ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ، وَمِنْ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ مَنْ يُوجِبُ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَفِي بَعْضِهَا تَعْيِينُ مِصْرَ، وَأَوْصَى بِالْقِبْطِ خَيْرًا وَالشَّامِ وَمُلْكِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَكُلُّ هَذَا قَدْ تَمَّ، فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِمَّا صَحَّ عَنْهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ سَيُفْتَحُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَمَّا يُفْتَحْ فَلَا بُدَّ أَنْ يُفْتَحَ.
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ: " يَا عَدِيُّ أَسْلِمْ تَسْلَمْ، قُلْتُ: إِنِّي مِنْ أَهْلِ دِينٍ. قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِدِينِكَ مِنْكَ، فَقُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِدِينِي مِنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ أَلَسْتَ مِنَ الرَّكُوسِيَّةِ، وَأَنْتَ تَأْكُلُ مِرْبَاعَ قَوْمِكَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ ; فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ لَكَ فِي دِينِكَ " قَالَ: فَلَمْ يَعْدُ أَنْ قَالَهَا فَتَوَاضَعْتُ لَهَا. قَالَ: " أَمَا إِنِّي أَعْلَمُ مَا الَّذِي يَمْنَعُكَ مِنَ الْإِسْلَامِ. تَقُولُ: إِنَّمَا اتَّبَعَهُ ضَعَفَةُ النَّاسِ، وَمَنْ لَا قُوَّةَ لَهُ، وَقَدْ رَمَتْهُمُ الْعَرَبُ، أَتَعْرِفُ الْحِيرَةَ؟ قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَلَكِنْ سَمِعْتُ بِهَا. قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ جِوَارِ أَحَدٍ، وَلَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ. قُلْتُ ; كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ؟ قَالَ: نَعَمْ كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ، وَلَيُبْذَلَنَّ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ " قَالَ عَدِيٌّ: فَهَذِهِ الظَّعِينَةُ تَخْرُجُ مِنَ الْحِيرَةِ فَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ جِوَارِ أَحَدٍ، وَلَقَدْ كُنْتُ فِيمَنْ فَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِتَكُونَنَّ الثَّالِثَةُ ; لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَهَا، انْتَهَى مِنْ تَفْسِيرِ الْعِمَادِ بْنِ كَثِيرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute