عَلَى دِينِ الْمَسِيحِ الْحَقِّ فَهُوَ مِنْ غُلُوِّ أَهْلِ أُورُبَّةَ فِي الدِّينِ، ثُمَّ فِي الْكُفْرِ وَالتَّعْطِيلِ، فَهُمْ غُلَاةٌ مُسْرِفُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَصَاحِبُ هَذَا الْخُلُقِ يُتْقِنُ كُلَّ مَا يَأْخُذُ بِهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ ; لِأَنَّهُ لَا يَرْضَى مِنْهُ بِمَا دُوْنَ غَايَتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ أَتْقَنَتْ رَهْبَنَاتُهُمْ جَمْعَ الْمَالِ ثُمَّ أَتْقَنَتِ الِانْتِفَاعَ بِهِ فِي دِينِهَا التَّقْلِيدِيِّ وَدُنْيَاهَا، وَأَخَذَتْ رَهْبَنَاتُ الشَّرْقِ النِّظَامَ عَنْهَا، وَمَاذَا فَعَلَ الْمُسْلِمُونَ فِي أَوْقَافِهِمْ وَخِدْمَةِ دِينِهِمْ؟ ؟ .
وَأَمَّا صَدُّهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ مَنْعُهُمُ النَّاسَ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ سَبِيلَ اللهِ فِي الدِّينِ هِيَ طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ الصَّحِيحَةِ وَعِبَادَتِهِ الْقَوِيمَةِ الَّتِي تُرْضِيهِ، وَرَأْسُ مَعْرِفَتِهِ التَّوْحِيدُ وَالتَّنْزِيهُ، وَهُمْ مُشْرِكُونَ غَيْرُ مُوَحِّدِينَ، وَمُشَبِّهُونَ غَيْرُ مُنَزِّهِينَ، كَمَا عُلِمَ مِنَ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ وَغَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ فِي السُّوَرِ الطِّوَالِ الْأُولَى: الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ وَالْمَائِدَةِ، وَأَمَّا عِبَادَتُهُ الْقَوِيمَةُ فَهِيَ أَنْ يُعْبَدَ وَحْدَهُ بِمَا شَرَعَهُ هُوَ دُونَ الْبَشَرِ، وَلَيْسُوا كَذَلِكَ فَالْيَهُودُ قَدْ تَرَكُوا جُلَّ مَا شَرَعَهُ لَهُمْ حَتَّى الْقَرَابِينَ وَالتَّقْدُمَاتِ، إِذْ يَزْعُمُونَ أَنَّ شَرْطَهَا أَنْ تُفْعَلَ فِي هَيْكَلِ سُلَيْمَانَ، مَعَ أَنَّ اللهَ شَرَعَ الشَّرَائِعَ عَلَى لِسَانِ مُوسَى قَبْلَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، ثُمَّ كَفَرُوا بِالْمَسِيحِ الْمُصْلِحِ الْأَكْبَرِ فِي شَرِيعَتِهِمْ، وَالنَّصَارَى يَعْبُدُونَ الْمَسِيحَ وَأُمَّهَ وَالْقِدِّيسِينَ، وَجُلُّ عِبَادَاتِهِمْ مِنْ صَلَاةٍ وَصِيَامٍ مُبْتَدَعَةٌ لَمْ تَكُنْ فِي عَهْدِ الْمَسِيحِ. فَمَعْرِفَةُ اللهِ تَعَالَى وَعِبَادَتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْحَقِّ الْمَرْضِيِّ لَهُ تَعَالَى مَحْصُورَةٌ فِي الْإِسْلَامِ الَّذِي حَفِظَ اللهُ كِتَابَهُ الْمُنَزَّلَ، وَمَا بَيَّنَهُ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَكُلُّ مَا ابْتَدَعَهُ جَهَلَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْكَائِدُونَ لَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ فَالْقُرْآنُ الْحَكِيمُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ حُجَّةٌ عَلَى بُطْلَانِهِ وَعَلَى أَهْلِهِ، يُقِيمُهَا أَنْصَارُ السُّنَّةِ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ - فَسَبِيلُ اللهِ إِذًا هَذَا الْإِسْلَامُ، إِسْلَامُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ.
وَأَمَّا طُرُقُ صَدِّهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْإِمْكَانِ، وَقَدِ انْفَرَدَ النَّصَارَى بِالْعِنَايَةِ بِهَذَا الصَّدِّ مِنْ طَرِيقَيِ السِّيَاسَةِ وَالدَّعْوَةِ مَعًا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي تَفْسِيرِ: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ بِالْإِجْمَالِ، وَفَصَّلْنَا الْقَوْلَ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى مِنَ التَّفْسِيرِ وَالْمَنَارِ، وَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى الْآيَةِ ; لِأَنَّ الْخَبَرَ فِيهَا بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَهِيَ مِنْ كَلَامِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ، وَهُمْ لَا يَقْنَعُونَ بِصَدِّ أَهْلِ مِلَلِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ، بَلْ يَصُدُّونَ أَهْلَهُ عَنْهُ وَيَدْعُونَهُمْ إِلَى دِينِهِمُ الْمُلَفَّقِ مِنَ الْأَدْيَانِ الْوَثَنِيَّةِ الْقَدِيمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَسَّمَتْ أُمَمُهُمْ وَدُوَلُهُمُ الْبِلَادَ الْإِسْلَامِيَّةَ إِلَى مَنَاطِقِ نُفُوذٍ دِينِيَّةٍ تَبْشِيرِيَّةٍ، تَابِعَةٍ لِمَنَاطِقِ النُّفُوذِ السِّيَاسِيَّةِ الدُّوَلِيَّةِ، وَقَدِ اشْتَدَّتْ ضَرَاوَتُهُمْ بَعْدَ الْحَرْبِ الْعَامَّةِ بِسَلْبِ الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ مَا بَقِيَ مِنِ اسْتِقْلَالِهِمْ، وَتَعْمِيمِ النَّصْرَانِيَّةِ فِي جَمِيعِ أَهْلِهَا، حَتَّى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ مَهْدِ الْإِسْلَامِ وَمَعْقِلِهِ وَمَأْرَزِهِ، وَعَقَدُوا لِلتَّنْصِيرِ عِدَّةَ مُؤْتَمَرَاتٍ دُوَلِيَّةٍ، وَأَلَّفُوا لِلتَّمْهِيدِ لَهُ كُتُبًا كَثِيرَةً، وَقَدْ سَخَّرُوا بَعْضَ أُمَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَعْبَدِينَ وَشُيُوخِ الطَّرِيقِ وَالْفِقْهِ الْمُنَافِقِينَ لِشَدِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute