للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْفِضَّةِ وَمَعْدَنِهِمَا الَّذِي يَصْدُقُ بِالْحُلِيِّ الْمُبَاحِ وَغَيْرِهِ؛ فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ هِيَ الْمُعَدَّةُ لِلْإِنْفَاقِ، وَالْوَسِيلَةُ لِلْمَنْفَعَةِ وَالِارْتِفَاقِ، وَلَا فَائِدَةَ فِيهَا إِلَّا فِي إِنْفَاقِهَا، فَكَنْزُهَا إِبْطَالٌ لِمَنَافِعِهَا، فَهُوَ مِنْ سَخَفِ الْعَقْلِ،

وَعِصْيَانِ الشَّرْعِ، وَكُلُّ مُثَنَّى لَهُ أَفْرَادٌ لِكُلٍّ مِنْ نَوْعَيْهِ يَجُوزُ إِرْجَاعُ الضَّمِيرِ بَعْدَهُ إِلَى جُمْلَةٍ مِنَ الْأَفْرَادِ مِنْ نَوْعَيْهِ؛ كَقَوْلِهِ ـ تَعَالَى ـ: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) ، (٤٩: ٩) ، وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِضَمِيرِ يُنْفِقُونَهَا الْأَمْوَالُ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَهَا بِالْبَاطِلِ، وَيَتَرَجَّحُ هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَخُصُّ الْكَلَامُ بِهِمْ، وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (وَلَا يُنْفِقُونَهَا) أَنَّ الْوَاجِبَ إِنْفَاقُهَا كُلُّهَا، وَأَنَّ الْوَعِيدَ مَوْضِعُهُ إِلَى مَنْ يَبْقَى عِنْدَهُ شَيْئًا يَزِيدُ عَلَى حَاجَتِهِ مِنْهَا، وَهَذَا لَا يَصِحُّ فِي قَوَاعِدِ الشَّرْعِ الْإِسْلَامِيِّ؛ فَإِنَّ اللهَ وَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) ، وَ (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ، (٧٠: ٢٤، ٢٥) ، وَقَالَ: (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ) ، (٢: ٢٦٧) ، (وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ) (٦٣: ١٠) ، وَإِنَّمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلُمَاءِ: إِنَّهُ يَجِبُ التُّصَدُّقُ بِجَمِيعِ مَا أَحْرَزَهُ الْإِنْسَانُ مِنَ الْمَالِ الْحَرَامِ إِذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ إِلَى أَصْحَابِهِ، دُونَ إِنْفَاقِ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُ مِنَ الْحِلِّ، وَلَوْ كَانَتِ الْآيَةُ فِيمَنْ ذُكِرَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا قَالَ مُعَاوِيَةُ لَكَانَ الْأَمْرُ ظَاهِرًا، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْآيَاتِ الْمُعَارِضَةِ لَهُمَا، وَفِي الرِّوَايَاتِ الْمَأْثُورَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فَهِمُوا مِنَ الْآيَةِ وُجُوبَ إِنْفَاقِ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَقْدِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنَّ جُمْهُورَهُمْ رَجَعُوا عَنْ هَذَا وَبَقِيَ عَلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) ، كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَالُوا: مَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَّا يَدَعُ لِوَلَدِهِ مَالًا يَبْقَى بَعْدَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا أُفَرِّجُ عَنْكُمْ، فَانْطَلَقَ وَاتَّبَعَهُ ثَوْبَانُ، فَأَتَى النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّهُ كَبُرَ عَلَى أَصْحَابِكِ هَذِهِ الْآيَةُ، فَقَالَ: " إِنَّ اللهَ لَمْ يَفْرِضِ الزَّكَاةَ إِلَّا لِيُطَيِّبَ بِهَا مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ، وَإنَّمَا فَرَضَ الْمَوَارِيثَ مِنْ أَمْوَالٍ تَبْقَى بَعْدَكُمْ "، فَكَبَّرَ عُمَرُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: " أَلَا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ؟ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ الَّتِي إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِذَا أَمَرَهَا

أَطَاعَتْهُ، وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ " وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ مَرْوِيٌّ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، وَالْبُخَارِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>