للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصَعِدُوا الْجَبَلَ فَمَرُّوا بِالْغَارِ فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْخَ الْعَنْكَبُوتِ فَقَالُوا: لَوْ دَخَلَ هُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ اهـ.

وَذَكَرَ الْحَافِظُ رِوَايَاتٍ بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ مَرَاسِيلِ الزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ فِي بَعْضِ السِّيَرِ وَغَيْرِهَا وَنَقَلَ عَنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ مُرْسَلِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَيْلَةَ انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَى الْغَارِ كَانَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ سَاعَةً، وَمِنْ خَلْفِهِ سَاعَةً، فَسَأَلَهُ (أَيْ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ) فَقَالَ: أَذْكُرُ الطَّلَبَ فَأَمْشِي خَلْفَكَ. وَأَذْكُرُ الرَّصْدَ فَأَمْشِي أَمَامَكَ، فَقَالَ: " لَوْ كَانَ شَيْءٌ أَحْبَبْتُ أَنْ تُقْتَلَ دُونِي "؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ. فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْغَارِ قَالَ: مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ حَتَّى أَسْتَبْرِئَ لَكَ الْغَارَ، فَاسْتَبْرَأَهُ. وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ مِنْ مُرْسَلِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ نَحْوَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ مِنْ زِيَادَاتِهِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بَلَاغًا نَحْوَهُ اهـ.

أَقُولُ: فَهَذِهِ مَرَاسِيلُ عَنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ يُؤَيِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَفِي الْمَوْضُوعِ رِوَايَاتٌ أُخْرَى مِنْهَا أَنَّ حَمَامَتَيْنِ عَشَّشَتَا عَلَى بَابِهِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ سَدَّ كُلَّ جُحْرٍ كَانَ فِي الْغَارِ بِقِطَعٍ مِنْ ثَوْبِهِ، وَهَذَا مُرَادُهُ مِنِ اسْتِبْرَائِهِ.

وَقَالَ الْحَافِظُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ قَوْلِ عَائِشَةَ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ: ذَكَرَ الْوَاقِدَيُّ أَنَّهُمَا خَرَجَا مِنْ خَوْخَةٍ فِي ظَهْرِ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ أَنَّ خُرُوجَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُخُولُهُ الْمَدِينَةَ كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. إِلَّا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُوسَى الْخُوَارِزْمِيَّ قَالَ: إِنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ. (قُلْتُ) : يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ مَكَّةَ كَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخُرُوجَهُ مِنَ الْغَارِ كَانَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَهِيَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةُ السَّبْتِ وَلَيْلَةُ الْأَحَدِ وَخَرَجَ فِي أَثْنَاءِ لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ اهـ.

الْكَلِمَةُ الثَّانِيَةُ، مَنَاقِبُ الصِّدِّيقِ فِي قِصَّةِ الْهِجْرَةِ:

قَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَمَا يُفَسِّرُهَا وَيَشْرَحُهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ مِمَّا دُوْنَهَا فِي الرِّوَايَةِ عَلَى مَنَاقِبَ

وَفَضَائِلَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، امْتَازَ بِهَا عَلَى جَمِيعِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ لِبَدَاهَتِهِ، وَمِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ تَرْتِيبٍ.

(الْأَوَّلُ) أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى سِرِّهِ وَعَلَى نَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ الَّتِي كَانَتْ أَهَمَّ حَوَادِثِ رِسَالَتِهِ، وَأَشَدَّهَا خَطَرًا وَخَيْرَهَا عَاقِبَةً غَيْرَ صَاحِبِهِ الْأَوَّلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: إِنَّهُ لَمْ يَخْتَرْ لِصُحْبَتِهِ وَإِينَاسِهِ فِيهَا غَيْرَهُ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>