للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَهَى الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْهُ؟ وَإِنْ كَانَ خَطَأً لَزِمَ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ مُذْنِبًا وَعَاصِيًا فِي ذَلِكَ الْحُزْنِ (وَالثَّانِي) قَالُوا: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ اسْتَخْلَصَهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَخَافُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ فِي مَكَّةَ أَنْ يَدُلَّ الْكُفَّارَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُوقِفَهُمْ عَلَى أَسْرَارِهِ وَمَعَانِيهِ، فَأَخَذَهُ مَعَهُ دَفْعًا لِهَذَا الشَّرِّ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ وَإِنْ دَلَّتْ هَذِهِ الْحَالَةُ عَلَى فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا أَنَّهُ أَمَرَ عَلِيًّا بِأَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي مِثْلِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ مَعَ كَوْنِ الْكُفَّارِ قَاصِدِينَ قَتْلَ رَسُولِ اللهِ تَعْرِيضُ النَّفْسِ لِلْفِدَاءِ، فَهَذَا الْعَمَلُ مِنْ عَلِيٍّ أَعْلَى وَأَعْظَمُ مَنْ كَوْنِ أَبِي بَكْرٍ صَاحِبًا لِلرَّسُولِ - فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَا ذَكَرُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ اهـ.

هَذَا مَا نَقَلَهُ الرَّازِيُّ بِحُرُوفِهِ وَقَالَ: إِنَّهُ أَخَسُّ مِنْ شُبَهَاتِ السُّوفِسْطَائِيَّةِ وَرَدَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي رَدِّهِ رَدًّا آخَرَ لِأَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ إِمَامِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي عَصْرِهِ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ (تُوُفِّيَ سَنَةَ ٣٠٣) فَدَلَّ هَذَا عَلَى قِدَمِ هَذَا الْجَهْلِ وَالسَّخْفِ فِي الْقَوْمِ.

وَقَدْ بَسَطَ ذَلِكَ الشِّهَابُ الْآلُوْسِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ نَقْلًا عَنْهُمْ، وَكَانَ كَثِيرَ الِاحْتِكَاكِ بِعُلَمَائِهِمْ فِي بَغْدَادَ فَقَالَ مَا نَصُّهُ: وَأَنْكَرَ الرَّافِضَةُ دَلَالَةَ الْآيَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْفَضْلِ فِي حَقِّ الصِّدِّيقِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ. قَالُوا: إِنَّ الدَّالَّ عَلَى الْفَضْلِ إِنْ كَانَ: ثَانِيَ اثْنَيْنِ فَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ كَوْنِ أَبِي بَكْرٍ مُتَمِّمًا لِلْعَدَدِ - وَإِنْ كَانَ: إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَكْثَرَ مِنِ اجْتِمَاعِ شَخْصَيْنِ فِي مَكَانٍ، وَكَثِيرًا مَا يَجْتَمِعُ فِيهِ الصَّالِحُ وَالطَّالِحُ، وَإِنْ كَانَ (لِصَاحِبِهِ) فَالصُّحْبَةُ تَكُونُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ (١٨: ٣٧) وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٨١: ٢٢) وَيَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ (١٢: ٣٩) بَلْ قَدْ تَكُونُ بَيْنَ مَنْ يَعْقِلُ وَغَيْرِهِ كَقَوْلِهِ:

إِنَّ الْحِمَارَ مَعَ الْحِمَارِ مَطِيَّةٌ ... وَإِنْ خَلَوْتَ بِهِ فَبِئْسَ الصَّاحِبُ

وَإِنْ كَانَ لَا تَحْزَنْ فَيُقَالُ: لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحُزْنُ طَاعَةً أَوْ مَعْصِيَةً، لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ طَاعَةً وَإِلَّا لَمَا نَهَى عَنْهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً لِمَكَانِ

النَّهْيِ، وَذَلِكَ مُثْبِتُ خِلَافِ مَقْصُودِكُمْ، عَلَى أَنَّ فِيهِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْجُبْنِ مَا فِيهِ - وَإِنْ كَانَ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إِثْبَاتَ مَعِيَّةِ اللهِ الْخَاصَّةِ لَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَحْدَهُ، لَكِنْ أَتَى بِـ " نَا " سَدًّا لِبَابِ الْإِيحَاشِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْإِتْيَانِ بِـ " أَوْ " فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٤: ٢٤) وَإِنْ كَانَ: فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ (٤٠) فَالضَّمِيرُ فِيهِ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْكِيكُ الضَّمَائِرِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي تَخْصِيصِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِالسَّكِينَةِ هُنَا مَعَ عَدَمِ التَّخْصِيصِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ٣٠ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٤٨: ٢٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>