للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِشَارَةً إِلَى ضِدِّ مَا ادَّعَيْتُمُوهُ - وَإِنْ كَانَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ مِنْ خُرُوجِهِ مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُخْرِجْهُ مَعَهُ إِلَّا حَذَرًا مِنْ كَيْدِهِ لَوْ بَقَى مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ، وَفِي كَوْنِ الْمُجَهِّزِ لَهُمْ بِشِرَاءِ الْإِبِلِ عَلِيًّا كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ إِشَارَةٌ لِذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ شَيْئًا وَرَاءَ ذَلِكَ فَبَيِّنُوهُ لِنَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ. انْتَهَى كَلَامُهُمْ.

(قَالَ الشِّهَابُ الْآلُوْسِيُّ إِثْرَ نَقْلِهِ) : وَلَعَمْرِي إِنَّهُ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِهَذَيَانِ الْبمَحْمُومِ أَوْ عَرْبَدَةِ السَّكْرَانِ، وَلَوْلَا أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ حَكَى فِي كِتَابِهِ الْجَلِيلِ عَنْ إِخْوَانِهِمُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مَا هُوَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَدُّهُ رَحْمَةٌ بِضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مَا كُنَّا نَفْتَحُ فِي رَدِّهِ فَمَا، أَوْ نَجْرِي فِي مَيْدَانِ تَزْيِيفِهِ قَلَّمَا. ثُمَّ رَدَّ كُلَّ كَلِمَةٍ قَالُوهَا رَدًّا عِلْمِيًّا أَدَبِيًّا مُفْحِمًا، وَمَا شَرَحْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَمَا اسْتَنْبَطْنَاهُ مِنْهَا بِمَعُونَةِ أَحَادِيثِ الْهِجْرَةِ مِنَ الْمَنَاقِبِ الَّتِي هِيَ نُصُوصٌ ظَاهِرَةٌ فِي تَفْضِيلِ الصِّدِّيقِ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ وَعَنْهُمْ، وَلَعْنِ مُبْغِضِيهِ وَمُبْغِضِيهِمْ، وَمَا سَنَزِيدُهُ عَلَى ذَلِكَ هُنَا مِنْ إِفْحَامِهِمْ يُغْنِينَا عَنْ نَقْلِ عِبَارَتِهِ، فَإِنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ فِي تَفْنِيدِهَا هَذَا التَّحْرِيفُ لِكَلَامِ اللهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ وَالِافْتِرَاءُ الْمَفْضُوحُ الْمَعْلُومُ بُطْلَانُهُ بِالْبَدَاهَةِ، وَإِنَّمَا أَخْتَارُ مِنْ كَلَامِ السَّيِّدِ الْآلُوْسِيِّ قَوْلَهُ فِي آخِرِهِ:

" وَأَيْضًا إِذَا انْفَتَحَ بَابُ هَذَا الْهَذَيَانِ أَمْكَنَ لِلنَّاصِبِيِّ أَنْ يَقُولَ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى فِي عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْبَيْتُوتَةِ عَلَى فِرَاشِهِ لَيْلَةَ

هَاجَرَ إِلَّا لِيَقْتُلَهُ الْمُشْرِكُونَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَيَسْتَرِيحَ مِنْهُ. وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ بِأَعْجَبَ وَلَا أَبْطَلَ مِنْ قَوْلِ الشِّيعِيِّ إِنَّ إِخْرَاجَ الصِّدِّيقِ إِنَّمَا كَانَ حَذَرًا مِنْ شَرِّهِ. فَلْيَتَّقِ اللهَ مَنْ فَتَحَ هَذَا الْبَابَ، الْمُسْتَهْجَنَ عِنْدَ أُولِي الْأَلْبَابِ " اهـ.

أَقُولُ: وَمِنْ هَذَا الْبَابِ فِي سُوءِ التَّأْوِيلِ، الَّذِي يَقُولُهُ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ لِمَحْضِ التَّضْلِيلِ، تَأْوِيلُ مُعَاوِيَةَ لِحَدِيثِ " وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ " فَإِنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ فِئَتَهُ قَالَ: إِنَّمَا قَتَلَهُ مَنْ أَخْرَجَهُ - يَعْنِي عَلِيًّا كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ - بَلْ هَذَا التَّأْوِيلُ الْبَاطِلُ أَقْرَبُ إِلَى اللُّغَةِ مِنْ تَأْوِيلِ الرَّوَافِضِ لِخُرُوجِ الصِّدِّيقِ مَعَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْمَذْكُورِ آنِفًا إِنْ صَحَّ أَنْ يُسَمَّى تَأْوِيلًا، وَإِنَّمَا هُوَ تَضْلِيلٌ لَا تَأْوِيلٌ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْفِرْيَةَ الَّتِي افْتَجَرَهَا هَؤُلَاءِ الْفَجَرَةُ لَيْسَ لَهَا شُبْهَةٌ لُغَوِيَّةٌ لَا مِنْ أَلْفَاظِ الْآيَةِ، وَلَا مِنْ أَلْفَاظِ أَحَادِيثِ الْهِجْرَةِ، بَلْ هِيَ مُصَادَمَةٌ لِلنُّصُوصِ كُلِّهَا وَمُنَاقَضَةٌ لِمَا تَوَاتَرَ وَصَارَ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ مِنْ سِيرَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَنَشْأَةِ الْإِسْلَامِ مِنْ مُلَازَمَةِ الصِّدِّيقِ لَهُ مِنْ أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إِلَى آخِرَ حَيَاتِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِمَا لَا حَاجَةَ إِلَى شَرْحِهِ، وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ مَا بَسَطْنَاهُ هُنَا مِنْ أَمْرِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>