للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُسْتَحِقِّينَ. وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ عُمُومًا وَخُصُوصًا وَجْهَيْنِ فِي اللُّغَةِ، وَعُمُومًا وَخُصُوصًا مُطْلَقًا فِي اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ لِلَفْظَيْنِ فِي آيَةِ الصَّدَقَاتِ الْجَامِعَةِ بَيْنَهُمَا، وَحَيْثُ يُذْكَرُ أَحَدُهَا وَحْدَهُ يُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْآخَرَ، فَاللَّفْظَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي مَفْهُومِهِمَا، مُتَّحِدَانِ فِيمَا يَصْدُقَانِ عَلَيْهِ، وَمَا يُعْطَاهُ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ مِنَ الصَّدَقَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَمِقْدَارِ الْمَالِ، وَهُوَ خَاصٌّ بِالْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ.

وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا أَيِ: الَّذِينَ يُوَلِّيهِمُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ الْعَمَلَ عَلَى جَمْعِهَا مِنَ الْأَغْنِيَاءِ وَهُمُ الْجُبَاةُ، وَعَلَى حِفْظِهَا وَهُمُ الْخَزَنَةُ، وَكَذَا الرُّعَاةُ لِلْأَنْعَامِ مِنْهَا، وَالْكَتَبَةُ لِدِيوَانِهَا، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يُقَالُ: كَانَ فُلَانٌ عَامِلَ الْإِمَامِ أَوِ السُّلْطَانِ عَلَى بَلَدِ كَذَا أَوْ عَلَى الزَّكَاةِ أَوِ الْخَرَاجِ، وَفِي الْأَسَاسِ: وَيُقَالُ: مَنِ الَّذِي عُمِّلَ (بِالتَّشْدِيدِ وَالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ) عَلَيْكُمْ؟ أَيْ: نُصِّبَ عَامِلًا عَلَيْكُمُ اهـ. وَقَالَ فِي أَوَّلِ الْمَادَّةِ: تَقُولُ: أَعْطِ الْعَامِلَ عُمَالَتَهُ، وَوَفِّهِ جُعَالَتَهُ، وَهُوَ بِالضَّمِّ فِيهِمَا جَزَاءُ الْعَمَلِ وَأُجْرَتُهُ الْمُعَيَّنَةُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: رِزْقُ الْعَامِلِ عَلَى عَمَلِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَاتِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا لِلصَّدَقَةِ بِفَقْرِهِ مَثَلًا، وَلَكِنْ إِنْ وُجِدَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْعَمَلِ مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ يَكُونُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا عُمَالَتُهُ عَلَى عَمَلِهِ لَا عَلَى فَقْرِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكْفِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِفَقْرِهِ مَا يَأْخُذُهُ أَمْثَالُهُ، وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً عَلَى حَاجَتِهِ أَوْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَيُهْدِيَ وَيَتَصَدَّقَ، وَقَدْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِمَا يَأْخُذُهُ مِنْهَا بِشُرُوطِهَا مِنَ النِّصَابِ وَالْحَوْلِ، وَقَدْ يَسْتَغْنِي عَنْهُ فَيَسْقُطُ سَهْمُهُ.

وَلَا تَجُوزُ الْعُمَالَةُ لِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ مِنْ آلِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا بَنُو الْمُطَّلِبِ، وَدَلِيلُهُ أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَالْمُطَّلِبَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَأَلَا النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنْ يُؤَمِّرَهُمَا عَلَى الصَّدَقَاتِ بِالْعُمَالَةِ كَمَا يُؤَمِّرُ النَّاسَ، فَقَالَ لَهُمَا: " إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ، إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ " وَفِي لَفْظٍ " لَا تَنْبَغِي " بَدَلُ " لَا تَحِلُّ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

وَرَوَى أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ ابْنَ السَّعِيدِ الْمَالِكِيَّ قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْهَا وَأَدَّيْتُهَا إِلَيْهِ أَمَرَ لِيَ بِعُمَالَةٍ. فَقُلْتُ إِنَّمَا عَمِلْتُ لِلَّهِ. فَقَالَ: خُذْ مَا أُعْطِيتَ، فَإِنِّي عَمِلْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ـ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَعَمَّلَنِي فَقُلْتُ مِثْلَ قَوْلِكَ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: إِذَا أُعْطِيتَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْأَلَ فَكُلْ وَتَصَدَّقْ.

وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ أَيِ: الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ يُرَادُ تَأْلِيفُ قُلُوبِهِمْ بِالِاسْتِمَالَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوِ التَّثَبُّتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>