فِيهِ، أَوْ بِكَفِّ شَرِّهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ رَجَاءِ نَفْعِهِمْ فِي الدِّفَاعِ عَنْهُمْ، أَوْ نَصْرِهِمْ عَلَى عَدُوٍّ لَهُمْ، لَا فِي تِجَارَةٍ وَصِنَاعَةٍ وَنَحْوِهِمَا. فَإِنَّ مَنْ يَرَى أَنَّ مُخَالِفَهُ فِي الدِّينِ مَصْدَرُ نَفْعٍ لَهُ يُوشِكُ أَنْ يُوَادَّهُ، فَإِنْ لَمْ يُوَادَّهُ لَمْ يُحَادَّهُ كَالْعَدُوِّ الَّذِي يَخْشَى ضَرَرَهُ وَلَا يَرْجُو نَفْعَهُ.
وَذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ قِسْمَانِ: كُفَّارٌ وَمُسْلِمُونَ. وَالْكُفَّارُ ضَرْبَانِ، وَالْمُسْلِمُونَ أَرْبَعَةٌ، فَمَجْمُوعُ الْفَرِيقَيْنِ سِتَّةٌ، وَهَذَا بَيَانُهُمْ بِالتَّفْصِيلِ وَالِاخْتِصَارِ: (الْأَوَّلُ) قَوْمٌ مِنْ سَادَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَزُعَمَائِهِمْ لَهُمْ نُظَرَاءُ مِنَ الْكَفَّارِ إِذَا أُعْطُوا رُجِيَ إِسْلَامُ نُظَرَائِهِمْ، وَاسْتَشْهَدُوا لَهُ بِإِعْطَاءِ أَبِي بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ لِعَدَيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَالزِّبْرِقَانِ بْنِ بَدْرٍ مَعَ حُسْنِ إِسْلَامِهِمَا لِمَكَانَتِهِمَا فِي أَقْوَامِهِمَا.
(الثَّانِي) زُعَمَاءُ ضُعَفَاءِ الْإِيمَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، مُطَاعُونَ فِي أَقْوَامِهِمْ يُرْجَى بِإِعْطَائِهِمْ تَثَبُّتُهُمْ، وَقُوَّةُ إِيمَانِهِمْ وَمُنَاصَحَتُهُمْ فِي الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ، كَالَّذِينِ أَعْطَاهُمُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْعَطَايَا الْوَافِرَةَ مِنْ غَنَائِمِ هَوَازِنَ، وَهُمْ بَعْضُ الطُّلَقَاءِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا فَكَانَ مِنْهُمُ الْمُنَافِقُ، وَمِنْهُمْ ضَعِيفُ الْإِيمَانِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَكْثَرُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمْ.
(الثَّالِثُ) قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الثُّغُورِ وَحُدُودِ بِلَادِ الْأَعْدَاءِ، يُعْطَوْنَ لِمَا يُرْجَى مِنْ دِفَاعِهِمْ عَمَّنْ وَرَاءَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا هَاجَمَهُمُ الْعَدُوُّ، وَأَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْعَمَلَ هُوَ الْمُرَابَطَةُ، وَهَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءُ يُدْخِلُونَهَا فِي سَهْمِ سَبِيلِ اللهِ كَالْغَزْوِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا. وَأَوْلَى مِنْهُمْ بِالتَّأْلِيفِ فِي زَمَانِنَا قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَتَأَلَّفُهُمُ الْكُفَّارُ؛ لِيُدْخِلُوهُمْ تَحْتَ حِمَايَتِهِمْ أَوْ فِي دِينِهِمْ، فَإِنَّنَا نَجِدُ دُوَلَ الِاسْتِعْمَارِ الطَّامِعَةَ فِي اسْتِعْبَادِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي رَدِّهِمْ عَنْ دِينِهِمْ يُخَصِّصُونَ مِنْ أَمْوَالِ دُوَلِهِمْ سَهْمًا لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ،
فَمِنْهُمْ مَنْ يُؤَلِّفُونَهُ لِأَجْلِ تَنْصِيرِهِ وَإِخْرَاجِهِ مِنْ حَظِيرَةِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤَلِّفُونَهُ؛ لِأَجْلِ الدُّخُولِ فِي حِمَايَتِهِمْ وَمُشَاقَّةِ الدُّوَلِ الْإِسْلَامِيَّةِ أَوِ الْوَحْدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، كَكَثِيرٍ مِنْ أُمَرَاءِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَسَلَاطِينِهَا! ! أَفَلَيْسَ الْمُسْلِمُونَ أَوْلَى بِهَذَا مِنْهُمْ؟ .
(الرَّابِعُ) قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُحْتَاجُ إِلَيْهِمْ لِجِبَايَةِ الزَّكَاةِ مِمَّنْ لَا يُعْطِيهَا إِلَّا بِنُفُوذِهِمْ وَتَأْثِيرِهِمْ إِلَّا أَنْ يُقَاتَلُوا، فَيُخْتَارُ بِتَأْلِيفِهِمْ وَقِيَامِهِمْ بِهَذِهِ الْمُسَاعَدَةِ لِلْحُكُومَةِ أَخَفُّ الضَّرَرَيْنِ وَأَرْجَحُ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَهَذَا سَبَبٌ جُزْئِيٌّ قَاصِرٌ، فَمِثْلُهُ مَا يُشْبِهُهُ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ.
(الْخَامِسُ) مِنَ الْكَفَّارِ مَنْ يُرْجَى إِيمَانُهُ بِتَأْلِيفِهِ وَاسْتِمَالَتِهِ، كَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الَّذِي وَهَبَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَهُ الْأَمَانَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَأَمْهَلَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِيَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ بِطَلَبِهِ، وَكَانَ غَائِبًا فَحَضَرَ وَشَهِدَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ غَزْوَةَ حُنَيْنٍ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute