للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ لَا لِأَشْخَاصٍ مَسَّتْهُمُ الْحَاجَةُ. وَالسَّبِيلُ: الطَّرِيقُ، وَسَبِيلُ اللهِ: الطَّرِيقُ الِاعْتِقَادِيُّ الْعَمَلِيُّ الْمُوَصِّلُ إِلَى مَرْضَاتِهِ وَمَثُوبَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ مِرَارًا. وَلِكَثْرَةِ اقْتِرَانِ الْجِهَادِ وَالْقِتَالِ الدِّينِيِّ فِي الْقُرْآنِ بِكَوْنِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، اتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ عَلَى أَنَّ الْغُزَاةَ وَالْمُرَابِطِينَ هُمُ الْمَقْصُودُونَ بِهَذَا الصِّنْفِ مِنْ مُسْتَحِقِّي الصَّدَقَاتِ، إِمَّا وَحْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَإِمَّا مَعَ غَيْرِهِمْ مِمَّا يَشْمَلُهُ عُمُومُ الْإِضَافَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ، عَلَى بَحْثٍ فِي تَخْصِيصِهِ سَيَأْتِي قَرِيبًا، وَقَدْ جَاءَ فِي التَّنْزِيلِ ذِكْرُ الْهِجْرَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالضَّرْبِ (أَيِ السَّفَرِ) فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالْمَخْمَصَةِ (أَيِ الْمَجَاعَةِ) فِي سَبِيلِ اللهِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَصْحَابِ هَذَا السَّهْمِ هُنَا:

الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ أَنَّهُمَا جَعَلَا الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللهِ.

وَفِي كِتَابِ الْمُقْنِعِ - مِنْ أَشْهَرِ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ - فِي عَدِّ الْأَصْنَافِ مَا نَصُّهُ: (السَّابِعُ) فِي سَبِيلِ اللهِ وَهُمُ الْغُزَاةُ الَّذِينَ لَا دِيوَانَ لَهُمْ، وَلَا يُعْطَى مِنْهَا فِي الْحَجِّ، وَعَنْهُ (أَيِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ) يُعْطَى الْفَقِيرُ قَدْرَ مَا يَحُجُّ بِهِ الْفَرْضَ أَوْ يَسْتَعِينُ بِهِ فِيهِ اهـ. وَقَدْ ضَعَّفَ فُقَهَاءُ الْحَنَابِلَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِأَنَّهَا خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ، وَهُوَ أَنَّ الْفَقِيرَ إِنَّمَا يُعْطَى لِفَقْرِهِ مَا يَسُدُّ بِهِ حَاجَتَهُ وَحَاجَةَ مَنْ يَمُونُهُ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ، وَالْحَجُّ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ.

وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ كَمَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ فِي أَنَّ سَهْمَ سَبِيلِ اللهِ لِلْغُزَاةِ غَيْرِ الْمُرَتَّبينَ فِي دِيوَانِ السُّلْطَانِ سَوَاءٌ أَكَانُوا أَغْنِيَاءَ أَمْ فُقَرَاءَ، وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي " الْأُمِّ ": وَيُعْطَى فِي سَبِيلِ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ مَنْ غَزَا مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا، وَلَا يُعْطَى مِنْهُ غَيْرُهُمْ إِلَّا أَنْ يُحْتَاجَ إِلَى الدَّفْعِ عَنْهُمْ فَيُعْطَاهُ مَنْ دَفَعَ عَنْهُمُ الْمُشْرِكِينَ اهـ. وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ جِيرَانَ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ نَقْلُ الزَّكَاةِ إِلَى أَبْعَدَ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ.

وَقَالَ الْآلُوسِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْكَلِمَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أُرِيدَ بِذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُنْقَطِعُو الْغُزَاةِ وَالْحَجِيجِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ طَلَبَةُ الْعِلْمِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَفَسَّرَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِجَمِيعِ الْقُرَبِ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ سَعْيٍ فِي طَاعَةِ اللهِ وَسُبُلِ الْخَيْرَاتِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَيْدَ الْفَقْرِ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا، فَحِينَئِذٍ لَا تَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِي الزَّكَاةِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِي الْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ اهـ. وَنَقُولُ: إِنَّهُ بِهَذَا الْقَيْدِ أَبْطَلَ كَوْنَ سَبِيلِ اللهِ صِنْفًا مُسْتَقِلًّا إِذَا أَرْجَعَهُ إِلَى الصِّنْفِ الْأَوَّلِ وَهُمُ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ اهـ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: قَوْلُهُ: وَفِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ مَالِكٌ: سُبُلُ اللهِ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنِّي لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِسَبِيلِ اللهِ هُنَا الْغَزْوُ مِنْ جُمْلَةِ سَبِيلِ اللهِ (هَكَذَا) إِنَّ مَا يُؤْثَرُ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ فَإِنَّهُمَا قَالَا: إِنَّهُ الْحَجُّ. وَالَّذِي يَصِحُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>