للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عِنْدِي مِنْ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْحَجَّ مِنْ جُمْلَةِ السُّبُلِ مَعَ الْغَزْوِ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقُ بِرٍّ فَأُعْطِي مِنْهُ بِاسْمِ السَّبِيلِ، وَهَذَا يَحِلُّ عَقْدَ الْبَابِ، وَيَخْرِمُ قَانُونَ

الشَّرِيعَةِ، وَيَنْثُرُ سِلْكَ النَّظَرِ، وَمَا جَاءَ قَطُّ بِإِعْطَاءِ الزَّكَاةِ فِي الْحَجِّ أَثَرٌ. وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَيُعْطَى مِنْهَا الْفَقِيرُ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سُمِّيَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ، وَيُعْطَى الْغَنِيُّ عِنْدَ مَالِكٍ بِوَصْفِ سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى كَانَ غَنِيًّا فِي بَلَدِهِ أَوْ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي يَأْخُذُ بِهِ، لَا يُلْتَفَتُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ الَّذِي يُؤْثَرُ عَنْهُ. قَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ إِلَّا لِخَمْسَةٍ: غَازٍ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُعْطَى الْغَازِي إِلَّا إِذَا كَانَ فَقِيرًا. وَهَذِهِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ. وَعِنْدَهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ وَلَا نَسْخَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ أَوْ بِخَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ، وَقَدْ بَيَّنَا أَنَّهُ فَعَلَ مِثْلَ هَذَا فِي الْخُمُسِ فِي قَوْلِهِ: وَلِذِي الْقُرْبَى فَشَرَطَ فِي قَرَابَةِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْفَقْرَ، وَحِينَئِذٍ يُعْطَوْنَ مِنَ الْخُمُسِ، وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، وَمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ، وَكَفِّ الْعَدُوِّ عَنِ الْحَوْزَةِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ مِنْ سَبِيلِ الْغَزْوِ وَمَنْفَعَتِهِ، وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنَ الصَّدَقَةِ مِائَةَ نَاقَةٍ فِي نَازِلَةِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَتَمَةَ إِطْفَاءً لِلثَّائِرَةِ اهـ.

وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنَ التَّعْبِيرِ بِالْغَزْوِ بَدَلَ الْغُزَاةِ، وَمِنَ الصَّرْفِ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ إِلَخْ هُوَ الْحَقُّ الظَّاهِرُ مِنْ كَوْنِ هَذَا السَّهْمِ فِي الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ لَا لِأَشْخَاصِ الْغُزَاةِ.

وَقَالَ السَّيِّدُ حَسَن صِدِّيق فِي فَتْحِ الْبَيَانِ وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْمُسْتَقِلِّينَ - بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ الْجُمْهُورِ: إِنَّهُمُ الْغُزَاةُ وَالْمُرَابِطُونَ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، وَبَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ مَا نَصُّهُ: وَقِيلَ إِنِ اللَّفْظَ عَامٌّ فَلَا يَجُوزُ قَصْرُهُ عَلَى نَوْعٍ خَاصٍّ، وَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ وُجُوهِ الْخَيْرِ مِنْ تَكْفِينِ الْمَوْتَى وَبِنَاءِ الْجُسُورِ وَالْحُصُونِ وَعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِإِجْمَاعِ الْجُمْهُورِ عَلَيْهِ اهـ.

وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ النَّدِيَّةِ: وَمِنْ جُمْلَةِ سَبِيلِ اللهِ الصَّرْفُ فِي الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الدِّينِيَّةِ، فَإِنَّ لَهُمْ فِي مَالِ اللهِ نَصِيبًا سَوَاءً كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ. بَلِ الصَّرْفُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَحَمَلَةُ الدِّينِ وَبِهِمْ تُحْفَظُ بَيْضَةُ الْإِسْلَامِ، وَشَرِيعَةُ سَيِّدِ الْأَنَامِ، وَقَدْ كَانَ عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ يَأْخُذُونَ مِنَ الْعَطَاءِ مَا يَقُومُ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، مَعَ زِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ يَتَفَوَّضُونَ بِهَا فِي قَضَاءِ حَوَائِجِ مَنْ يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَالْأَمْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>