للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أَقُولُ) : إِنَّ بَعْضَ السَّلَفِ أَبَاحَ أَخْذَ مَالِ السَّلَاطِينِ وَغَيْرِهِمْ إِذَا كَانَ بِحَقٍّ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ حَرَامًا، وَيَسْتَدِلُّونَ بِمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِغَيْرِهِ مِمَّا لَا مَحَلَّ لَهُ هُنَا. وَأَمَّا السُّنَّةُ فِي هَذَا السَّهْمِ فَقَدِ اسْتَدَلُّوا مِنْهَا بِأَحَادِيثَ (مِنْهَا) رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ: لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ غَارِمٍ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ مِسْكِينٍ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَأَهْدَى لِغَنِيٍّ مِنْهَا وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَهِيَ إِحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي دَاوُدَ. وَإِسْنَادُ مَنْ أَسْنَدَهُ زِيَادَةٌ يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا، وَقَدْ أَسْنَدَهُ مَعْمَرٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ.

(وَمِنْهَا) مَا رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي لَاسٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: حَمَلَنَا رَسُولُ اللهِ عَلَى إِبِلٍ مِنَ الصَّدَقَةِ إِلَى الْحَجِّ - وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ مَعْقِلٍ الْأَسَدِيَّةِ أَنَّ زَوْجَهَا جَعَلَ بِكْرًا فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَنَّهَا أَرَادَتِ الْعُمْرَةَ فَسَأَلَتْ زَوْجَهَا الْبِكْرَ فَأَبَى، فَأَتَتِ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَجْهُولٌ، وَيُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أُمِّ مَعْقِلٍ قَالَتْ: لَمَّا حَجَّ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ فَجَعَلَهُ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَصَابَنَا مَرَضٌ وَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ وَخَرَجَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حَجَّتِهِ جِئْتُهُ فَقَالَ: " يَا أَمَّ مَعْقِلٍ مَا مَنَعَكِ أَنْ تَخْرُجِي "؟ قَالَتْ: لَقَدْ تَهَيَّأْنَا فَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ، وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ هُوَ الَّذِي يَحُجُّ عَلَيْهِ فَأَوْصَى بِهِ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللهِ. فَقَالَ: " فَهَلَّا خَرَجْتِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللهِ "؟ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَيْضًا، لَا لِلْخِلَافِ فِي ابْنِ إِسْحَاقَ بَلْ؛ لِأَنَّهُ مُدَلِّسٌ، وَقَدْ عَنْعَنَ هُنَا، وَمَنْ وَثَّقَهُ يَرُدُّونَ مَا عَنْعَنَ فِيهِ لِتَدْلِيسِهِ.

وَأَقُولُ: مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى - أَوَّلًا - أَنَّ جَعْلَ أَبِي مَعْقِلٍ جَمَلَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ وَصِيَّتَهُ بِهِ صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ، وَهِيَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تُصْرَفَ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الَّتِي قَصَرَتْهَا عَلَيْهَا الْآيَةُ - وَثَانِيًا - أَنَّ حَجَّ امْرَأَتِهِ عَلَيْهِ لَيْسَ تَمْلِيكًا لَهَا يُخْرِجُ الْجَمَلَ عَنْ إِبْقَائِهِ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ أَبُو مَعْقِلٍ. وَيُقَالُ مِثْلُ هَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي لَاسٍ - ثَالِثًا - أَنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللهِ بِالْمَعْنَى الْعَامِّ لِلَّفْظِ، وَالرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ فِي الْآيَةِ.

وَيَأْتِي هَاهُنَا تَحْرِيرُ الْمُرَادِ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ: أَمَّا عُمُومُ مَدْلُولِ هَذَا اللَّفْظِ فَهُوَ يَشْمَلُ كُلَّ أَمْرٍ مَشْرُوعٍ أُرِيدَ بِهِ مَرْضَاةُ اللهِ تَعَالَى، بِإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ، وَإِقَامَةِ دِينِهِ، وَحُسْنِ

٦عِبَادَتِهِ، وَمَنْفَعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>