للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ

هَذَا بَيَانُ مَا شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى فِي شَأْنِ مَنْ يَمُوتُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ فِي إِثْرِ مَا شَرَعَهُ فِي شَأْنِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ، وَهُوَ كَسَابِقِهِ خَاصٌّ بِمَنْ نَزَلَتْ فِيهِمُ الْآيَاتُ وَهُمُ الَّذِينَ ثَبَتَتْ أَدِلَّةُ كُفْرِهِمْ أَوْ إِعْلَامِهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ بِحَقِيقَةِ أَمْرِهِمْ، وَفِي مُقَدِّمَتِهِمْ زَعِيمُهُمُ الْأَكْبَرُ الْأَكْفَرُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولٍ وَالِاثْنَى عَشَرَ الَّذِينَ أَرَادُوا اغْتِيَالَ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ أَيْ: لَا تُصَلِّ أَيُّهَا الرَّسُولُ بَعْدَ الْآنَ عَلَى أَحَدٍ مَاتَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ عَرَّفْنَاكَ شَأْنَهُمْ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ أَبَدًا مَا حَيِيتَ - وَلَا تَقِفْ عَلَى قَبْرِهِ عِنْدَ الدَّفْنِ لِلدُّعَاءِ لَهُ بِالتَّثْبِيتِ، كَمَا تَقُومُ عَلَى قُبُورِ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ دَفْنِهِمْ، وَيَلْزَمُ هَذَا النَّهْيَ عَدَمُ تَشْيِيعِ جَنَائِزِهِمْ. رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: " اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ " وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا نَعْرِفُ شَيْئًا مِنَ السُّنَّةِ فِي مَعْنَى الْقِيَامِ عَلَى الْقَبْرِ غَيْرَهُ، فَانْتِظَارُ الدَّفْنِ أَعَمُّ مِنْهُ، وَأَدْخَلَ فِيهِ بَعْضُهُمْ

زِيَارَةَ الْقُبُورِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَقَدْ وَرَدَ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَحَادِيثُ مُتَعَدِّدَةٌ بِلَفْظِ الزِّيَارَةِ لَا بِلَفْظِ الْقِيَامِ.

وَقَدْ عَلَّلَ تَعَالَى هَذَا النَّهْيَ بِبَيَانٍ مُسْتَأْنَفٍ فَقَالَ: إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ أَيْ: إِنَّهُمْ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ، أَيْ: وَهُمْ فِي حَالِ خُرُوجِهِمِ السَّابِقِ مِنْ حَظِيرَةِ الْإِيمَانِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ مِثْلِهِ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ (وَالْجُمْلَةُ الْحَالِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ مَضْمُونِهَا قَبْلَ حُدُوثِ الْعَامِلِ فِيهَا) وَالنَّهْيُ يَتَعَلَّقُ بِالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا أُكِّدَ بِكَلِمَةِ أَبَدًا الَّتِي هِيَ نَصٌّ فِي مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، وَلَكِنْ قَالَ فِي تَعْلِيلِ النَّهْيِ: وَمَاتُوا وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ، وَالْقَاعِدَةُ فِي التَّعْبِيرِ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ بِلَفْظِ الْمَاضِي أَنْ يَكُونَ لِتَأْكِيدِهِ وَتَحَقُّقِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ وَقَعَ بِالْفِعْلِ، أَيْ: وَسَيَمُوتُونَ وَهُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِكُفْرِهِمْ، وَلَعَلَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى مَا رُوِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>