فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ، وَهُوَ صَلَاتُهُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَمَاتَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَلَى كُفْرِهِ، وَسَيَمُوتُ الْآخَرُونَ كَذَلِكَ، وَفِيهِ بَحْثٌ نُبَيِّنُهُ بَعْدَ إِجْمَالِ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ.
وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ قَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا بِنَصِّهِ وَهُوَ الْآيَةُ ٥٥ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَلَا أَوْلَادُهُمْ وَتَفْسِيرُهُمَا وَاحِدٌ، إِلَّا أَنَّ زِيَادَةَ " لَا " فِي تِلْكَ الْآيَةِ لِلنَّهْيِ عَنِ الْإِعْجَابِ بِكُلٍّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ عَلَى حِدَتِهِ، وَهُوَ يَصْدُقُ بِمَنْ كَانَ لَهُ إِحْدَى الزِّينَتَيْنِ، وَالنَّهْيُ فِي هَذِهِ عَنِ الْإِعْجَابِ بِهِمَا مُجْتَمِعَتَيْنِ، وَهُوَ أَدْعَى إِلَى الْإِعْجَابِ، وَأُعِيدَ هَذَا النَّهْيُ هُنَا ; لِاقْتِضَاءِ الْمَقَامِ لَهُ كَاقْتِضَائِهِ هُنَاكَ التَّأْثِيرَ الَّذِي يَكُونُ لَهُ فِي نَفْسِ التَّالِي وَالسَّامِعِ ; وَلِأَنَّ السِّيَاقَ هُنَا فِي طَائِفَةٍ مِنْهُمْ غَيْرِ الطَّائِفَةِ الَّتِي جَاءَتْ فِي السِّيَاقِ الْأَوَّلِ.
رَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ دُعِيَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَقَامَ عَلَيْهِ
فَلَمَّا وَقَفَ قُلْتُ: أَتُصَلِّي عَلَى عَدُوِّ اللهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ الْقَائِلِ كَذَا وَكَذَا، وَالْقَائِلِ كَذَا وَكَذَا - أُعَدِّدُ أَيَّامَهُ - وَرَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَتَبَسَّمُ - حَتَّى إِذَا أَكْثَرْتُ قَالَ: " يَا عُمَرُ أَخِّرْ عَنِّي إِنِّي قَدْ خُيِّرْتُ، قَدْ قِيلَ لِي: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً (٨٠) فَلَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا " ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَمَشَى مَعَهُ حَتَّى قَامَ عَلَى قَبْرِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُ فَعَجِبْتُ لِي وَلِجَرَاءَتِي عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَوَاللهِ مَا كَانَ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ فَمَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى مُنَافِقٍ بَعْدَهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولٍ، جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ: أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ " إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللهُ فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً (٨٠) وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ " قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ. قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute