للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِبَعْضِ مَظَاهِرِهِ، وَمَا أَظُنُّ أَنَّ النَّاقِلَ عَنْهُ - وَهُوَ نَصْرَانِيُّ الدِّيَانَةِ. شُيُوعِيُّ السِّيَاسَةِ - يَعْتَقِدُ اعْتِقَادَهُ هَذَا، وَإِنَّمَا يُرِيدُ فِيمَا يَظْهَرُ نَشْرَ الشُّيُوعِيَّةِ الَّتِي ابْتَدَعَهَا بَلَاشِفَةُ دَوْلَتِهِ الرُّوسِيَّةِ فِي الْعَرَبِ وَزَلْزَلَةَ الْعَقَائِدِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَرُبَّمَا نَجِدُ فُرْصَةً لِلرَّدِّ عَلَى كِتَابِهِ فِي الْمَنَارِ، وَحَسْبِي هُنَا أَنْ أَقُولَ: لَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ كَمَا ذَكَرَ لَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَقِيقَتِهِ، وَأَصْدَقِهِمْ فِي إِقَامَةِ أَرْكَانِهِ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَفِي طَلِيعَتِهِمُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَالْأَئِمَّةُ الْمُجْتَهِدُونَ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجَامِعُ بَيْنَ الْإِمَامَتَيْنِ فِي كِتَابٍ لَهُ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ الْمَالِيِّينَ: إِنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ هَادِيًا، وَلَمْ يُبْعَثْ جَابِيًا.

وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الدِّينُ الْوَسَطُ، الْجَامِعُ بَيْنَ مَصَالِحِ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ، لِلسِّيَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالسَّعَادَةِ فِي الْآخِرَةِ، فَهُوَ وَسَطٌ بَيْنِ الْيَهُودِيَّةِ الْمَالِيَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ الرُّوحَانِيَّةِ الزُّهْدِيَّةِ، وَأَنَّ مِنْ مَقَاصِدِهِ الْإِصْلَاحِيَّةِ فِي الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ هِدَايَةَ النَّاسِ إِلَى الْعَدْلِ وَالْفَضْلِ فِي أَمْرِ الْمَالِ ; لِيَكْتَفِيَ النَّاسُ شَرَّ طُغْيَانِ الْأَغْنِيَاءِ، وَذِلَّةِ الْفُقَرَاءِ، وَنُصُوصُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِي هَذَا هِيَ الْغَايَةُ الْقُصْوَى فِي الْإِصْلَاحِ، وَهِيَ هَادِمَةٌ لِمَزَاعِمِ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَاتِينَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالْجَهْلِ وَالْهَوَى.

غَلَا عُبَّادُ الْمَالِ مِنَ الْيَهُودِ وَالْإِفْرِنْجِ فِي جَمْعِهِ وَاسْتِغْلَالِهِ، وَاسْتِعْبَادِ الْأُلُوفِ وَأُلُوفِ الْأُلُوفِ مِنَ الْعُمَّالِ الْفُقَرَاءِ بِهِ، بِجَعْلِهِ دُولَةً بَيْنَهُمْ، وَغَلَا خُصُومُهُمْ مِنَ الِاشْتِرَاكِيِّينَ فِي مُقَاوَمَتِهِمْ وَمُحَاوَلَةِ جَعْلِ النَّاسِ فِيهِ شَرْعًا، وَجَعْلِهِ بَيْنَهُمْ حَقًّا شَائِعًا فَانْتَهَى هَذَا الْغُلُوُّ بِالشُّيُوعِيَّةِ الرُّوسِيَّةِ فِي عَصْرِنَا أَنِ اسْتَعْبَدَتْ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الْبَشَرِ تُسَخِّرُهُمْ فِي تَنْفِيذِ مَذْهَبِهَا كَالْأَنْعَامِ وَالدَّوَابِّ، وَتَبْذُلُ جُلَّ مَا تَنْتَزِعُهُ مِنْ ثَرْوَتِهِمْ فِي بَثِّ الدِّعَايَةِ لَهُ فِي جَمِيعِ الْأَقْطَارِ. وَيَخْشَى الْعُقَلَاءُ مِنْ عَاقِبَةِ هَذَا الْإِسْرَافِ وَالْغُلُوِّ مِنَ الْجَانِبَيْنِ حَرْبًا عَامَّةً طَامَّةً، وَفِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ خَاصَّةً.

وَلَا مُنْقِذَ لِلْأُمَمِ مِنْ هَذِهِ الْفِتْنَةِ وَعَوَاقِبِهَا إِلَّا بِدِينِ الْإِسْلَامِ أَعْنِي بِالتَّدَيُّنِ بِهِ وَالْعَمَلِ بِأَحْكَامِهِ الْمَالِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَلَا يُمْكِنُ الْتِزَامُهَا بِالْعَمَلِ إِلَّا بِإِذْعَانِ الدِّينِ، وَقَدْ بَدَأَ عُقَلَاءُ الْإِفْرِنْجِ يَشْعُرُونَ بِالْحَاجَةِ إِلَى دِينٍ مَعْقُولٍ يَصْلُحُ بِالْتِزَامِهِ فَسَادُ هَذِهِ الْمَدَنِيَّةِ الْمَادِّيَّةِ، وَلَنْ يَجِدُوا حَاجَتَهُمْ إِلَّا فِي دِينِ الْقُرْآنِ، وَسُنَّةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ -

عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَأَخْشَى أَلَّا يَهْتَدُوا إِلَيْهِ إِلَّا بَعْدَ الْبَطْشَةِ الْكُبْرَى وَالطَّامَّةِ الْعُظْمَى، وَهِيَ حَرْبُ التَّدْمِيرِ الْمُنْتَظَرَةُ مِنْ تَنَازُعِ الْبُلْشُفِيَّةِ وَالرَّأْسِمَالِيَّةِ، وَإِنَّنِي أَذْكُرُ هُنَا أَهَمَّ أُصُولِ الْإِصْلَاحِ الْإِسْلَامِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَالِيَّةِ الَّتِي تَبْتَدِرُ فِكْرِي وَتَبْدَهُهُ فَأَقُولُ:

(١) إِقْرَارُ الْمِلْكِيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ وَتَحْرِيمُ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ.

(٢) تَحْرِيمُ الرِّبَا وَالْقِمَارِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>