وَالصَّالِحِينَ ; وَلِأَنَّ السَّفَرَ يُشَتِّتُ الْقَلْبَ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يُسَافِرَ إِلَّا فِي طَلَبِ عِلْمٍ أَوْ مُشَاهَدَةِ شَيْخٍ يَقْتَدِي بِهِ اهـ.
وَأَقُولُ: رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا حَدِيثَ (السَّائِحُونَ هُمُ الصَّائِمُونَ) وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَقْوَالِهِمْ، وَمِنْ مُرْسَلِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرَةَ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ائْذَنْ لِي بِالسِّيَاحَةِ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ((إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ)) قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: الْقَاسِمُ هَذَا تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى. أَقُولُ: مِنْهُمُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ كَانَ يَقُولُ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ مِنَ الْمَنَاكِيرِ: إِنَّهَا مِنْ قَبْلِهِ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، لَا مِنْهُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَرْوِي عَنِ الصَّحَابَةِ الْمُعْضَلَاتِ.
وَلِلْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ فِي كِتَابِ السَّفَرِ مِنَ الْإِحْيَاءِ كَلَامٌ نَفِيسٌ فِي فَوَائِدِ السِّيَاحَةِ وَالِاعْتِبَارِ بِآيَاتِ اللهِ تَعَالَى فِيهَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ مِثْلُهُ.
(الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) لِلَّهِ تَعَالَى فِي صَلَوَاتِهِمْ. وَالصَّلَاةُ تُذْكَرُ تَارَةً بِلَفْظِهَا، وَتَارَةً بِبَعْضِ أَرْكَانِهَا كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَهَذَا الْوَصْفُ يُفِيدُ التَّذْكِيرَ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ وَتَمْثِيلَهَا لِلْقَارِئِ وَالسَّامِعِ.
(الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) تَقَدَّمَ مَعْنَى هَذَا الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَمَكَانَتِهِ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ (٧١) مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ (ج ١٠ ط الْهَيْئَةِ) . وَهَذِهِ الصِّفَةُ وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الصِّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا يَجِبُ عَلَى بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَكُلُّ مَا قَبْلَهُمَا مِنْ صِفَاتِ الْأَفْرَادِ.
(وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) أَيْ شَرَائِعِهِ وَأَحْكَامِهِ الَّتِي حَدَّدَ فِيهَا مَا يَجِبُ وَمَا يَحْظُرُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعَمَلِ بِهَا، وَمَا يَجِبُ عَلَى أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَأُولِي الْأَمْرِ وَأَهْلِ الْحِلِّ وَالْعَقْدِ مِنْهُمْ إِقَامَتُهَا وَتَنْفِيذُهَا بِالْعَمَلِ فِي أَفْرَادِ الْمُسْلِمِينَ وَجَمَاعَتِهِمْ إِذَا أَخَلُّوا بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ
الْحِفْظِ لَهَا (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) أَيْ وَبَشِّرْ أَيُّهَا الرَّسُولُ الْمُؤْمِنِينَ الْمَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الْبِضْعِ الصِّفَاتِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُبَشِّرُهُمْ بِهِ لِتَعْظِيمِ شَأْنِهِ وَشُمُولِهِ لِخَيْرِ الدُّنْيَا وَسَعَادَةِ الْآخِرَةِ.
وَمِنْ مَبَاحِثِ اللُّغَةِ أَنَّ الْمَعْدُودَاتِ تُسْرَدُ بِغَيْرِ عَطْفٍ، وَإِنَّمَا عَطَفَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُمَا فَرِيضَةٌ وَاحِدَةٌ لِتَلَازُمِهِمَا فِي الْغَالِبِ. وَأَمَّا عَطْفُ (وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) عَلَى جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ، فَقِيلَ لِأَنَّ التَّعْدَادَ قَدْ تَمَّ بِالْوَصْفِ السَّابِعِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ السَّبْعَةَ هُوَ الْعَدَدُ التَّامُّ وَالثَّامِنَ ابْتِدَاءُ عَدَدٍ آخَرَ مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْوَاوَ تُسَمَّى وَاوَ الثَّمَانِيَةِ.
وَأَنْكَرَ هَذِهِ الْوَاوَ النُّحَاةُ الْمُحَقِّقُونَ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ إِجْمَالٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّفْصِيلِ قَبْلَهُ، فَلَا يَصِحُّ