للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غَيْرِهِ، وَأُجِيبَ بِهِ مَنْ سَأَلَنِي عَنْهُ مُسْتَشْكِلًا. فَقَوْلُ الْحَافِظِ: وَالَّذِي يَظْهَرُ إِلَخْ.

كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ: وَالَّذِي يَتَعَيَّنُ الْقَطْعُ بِهِ كَذَا، وَحَسْبُكَ دَلِيلًا عَلَى هَذَا أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَؤُهَا، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْبَحْثَ كَانَ عَمَّنْ كَتَبَهَا فَقَطْ، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ الْآيَتَيْنِ كَانَتَا مَحْفُوظَتَيْنِ وَمَكْتُوبَتَيْنِ وَمَعْرُوفَتَيْنِ لِكَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا عِنْدَ الْجَمْعِ فِي مَوْضِعِ كِتَابَتِهِمَا حَتَّى شَهِدَ مَنْ شَهِدَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي وَضَعَهُمَا فِي آخِرِ سُورَةِ بَرَاءَةَ وِفَاقًا لِقَوْلِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ أَحَدُ الَّذِينَ تَلَقَّوُا الْقُرْآنَ كُلَّهُ مُرَتَّبًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ. وَكَانَ عَدَدُ الْمُخْتَلِفِينَ فِي مَوْضِعِهِمَا قَلِيلًا، فَلَمَّا كُتِبَتَا فِي الْمَصَاحِفِ وَافَقَ الْجَمِيعُ عَلَى وَضْعِهِمَا هَاهُنَا. وَلَمْ يُرْوَ أَيُّ اعْتِرَاضٍ عَلَى ذَلِكَ عَمَّنْ كَتَبُوا لِأَنْفُسِهِمْ مَصَاحِفَ اعْتَمَدُوا فِيهَا عَلَى حِفْظِهِمْ كَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.

بَقِيَ الْبَحْثُ فِي حِكْمَةِ وَضْعِهِمَا فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ الْمَدَنِيَّةِ، وَمَوْضُوعُهُمَا مَكِّيٌّ، يُؤَيِّدُهُ كَوْنُ الْخِطَابِ فِيهِمَا لِقَوْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْمُفَسِّرِينَ وَمَا هُمَا بِأَوَّلِ مَا وُضِعَ مِنَ الْآيَاتِ الْمَكِّيَّةِ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ لِمُنَاسَبَةٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ. وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُفِيدَا بِمَوْضِعِهِمَا صِحَّةَ الْخِطَابِ بِهِمَا لِكُلِّ مَنْ تَبْلُغُهُ الدَّعْوَةُ مِنْ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ، كَمَا دَلَّ مَوْضُوعُهُمَا وَنُزُولُهُمَا بِمَكَّةَ - كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي الْفَرَسِ - عَلَى كَوْنِ الْخِطَابِ فِيهِمَا لِقَوْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ. وَيَكُونُ مَا قُلْنَاهُ جَامِعًا بَيْنَ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا.

(طَهَارَةُ نَسَبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَضْلُ قَوْمِهِ وَاصْطِفَاؤُهُ مِنْ خِيَارِهِمْ)

مِنَ الْمَأْثُورِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَتَيْنِ مَا ذَكَرُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ فِي طَهَارَةِ نَسَبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمِنْ فَضْلِ قَوْمِهِ وَعَشِيرَتِهِ وَعِتْرَتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي هَذَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا ((إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ)) وَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بَيَانًا لِمَعْنَى هَذَا الِاصْطِفَاءِ بِمَ كَانَ؟ وَقَدْ وَفَّقَنِي اللهُ لِاسْتِنْبَاطِهِ مِنَ التَّارِيخِ الْعَامِّ، وَبَيَّنْتُهُ فِي الْمَنَارِ وَفِي خُلَاصَةِ السِّيرَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فِي

جَوَابِ السُّؤَالِ عَنْ حِكْمَةِ بَعْثَةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَبِالرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ، بِالدِّينِ الْعَامِّ لِلْبَدْوِ وَالْحَضَرِ، مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ غَلَبَتْ عَلَيْهِمْ جَهَالَةُ الْبَدْوِ، وَبَعْدَ عَهْدِهِمْ بِمَا سَبَقَ لِأُمَّتِهِمْ مِنَ الْحَضَارَةِ وَالْعِلْمِ، وَلَمْ يُبْعَثْ مِنْ بَعْضِ شُعُوبِ الْحَضَارَةِ الْقَرِيبَةِ كَالْفُرْسِ وَالرُّومِ وَالْهِنْدِ وَالصِّينِ، وَيَلِيهِ السُّؤَالُ عَنْ مَزِيَّةِ كِنَانَةَ فِي الْعَرَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>