لَهُ، وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ هَذَا الْمَكْتُوبَ لَهُ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَعْدُو فِي جُمْلَتِهِ وَعْدَهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُؤْمِنٌ مِنَ الْخَيْرِ وَالنَّصْرِ وَالشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ الْمُعَبِّرِ عَنْهُمَا بِالْحُسْنَيَيْنِ فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ (أَيْ آيَةِ ٥٢) وَيَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ مَوْلَاهُ الَّذِي يَتَوَلَّى نَصْرَهُ وَتَوْفِيقَهُ ; فَهُوَ بِمُقْتَضَى إِيمَانِهِ يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَيُفَوِّضُ أَمْرَهُ إِلَيْهِ، تَصَوَّرْ حَالَ مُؤْمِنٍ تَمَكَّنَتْ هَذِهِ الْعَقَائِدُ مِنْ نَفْسِهِ، وَمَلَكَتْ عَلَيْهِ وِجْدَانَهُ، هَلْ يَخَافُ مِنْ غَيْرِ اللهِ؟ هَلْ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ؟
هَلْ يَمْنَعُهُ أَيُّ خَطْبٍ مِنَ الْخُطُوبِ عَنِ الْجِهَادِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللهِ، وَإِقَامَةِ دِينِ اللهِ، وَبَذْلِ الْجُهْدِ فِي إِقَامَةِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَمَدِّ بِسَاطِ الْبِرِّ وَالْفَضْلِ؟ وَتَصَوُّرْ حَالَ أُمَّةٍ يَغْلِبُ عَلَى أَفْرَادِهَا مَا ذُكِرَ، أَلَا تَكُونُ أَعَزَّ الْأُمَمِ نَفْسًا، وَأَشَدَّهَا بَأْسًا؟
وَيُؤَيِّدُ هَذِهِ الْعَقَائِدَ وَيَزِيدُهَا رُسُوخًا فِي قَلْبِ تَالِي هَذِهِ السُّورَةِ خَتْمُهَا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (٩: ١٢٩) فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَأَمَّلَ مَعْنَاهَا وَيُطَالِبَ نَفْسَهُ بِالتَّحَقُّقِ بِهِ، فَإِنَّهُ يَجِدُ بِهِ مِنْ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ وَعِزَّةِ النَّفْسِ مَا يَحْتَقِرُ بِهِ خَسَائِسَ الْمَادَّةِ الَّتِي يَتَكَالَبُ الْمَادِّيُّونَ عَلَيْهَا، وَيَبْخَعُونَ أَنْفُسَهُمُ انْتِحَارًا إِذَا فَاتَهُمْ أَوْ أَعْيَاهُمْ شَيْءٌ مِنْهَا، وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى ((حَسْبِيَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)) سَبْعَ مَرَّاتٍ كَفَاهُ اللهُ مَا أَهَمَّهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ ١٢٩.
الْبَابُ الثَّانِي
(فِي مَكَانَةِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ عِنْدَ رَبِّهِ وَفِي هِدَايَةِ دِينِهِ وَحُقُوقِهِ عَلَى أُمَّتِهِ)
وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي اقْتِرَانِ اسْمِهِ بَاسِمِ رَبِّهِ وَحَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَقِّهِ عَزَّ وَجَلَّ)
وَفِيهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَاهِدًا
(١ و٢) افْتُتِحَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وَعَطَفَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ تَعَالَى: (وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) (٩: ٣) إِلَخْ فَقَرَنَ تَعَالَى اسْمَ نَبِيِّهِ بِاسْمِهِ فِي تَبْلِيغِ أَحْكَامِهِ وَتَنْفِيذِهَا.
(٣) قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ كَمَلَةِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْآيَةِ (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) (٩: ١٦) أَيْ دَخِيلَةً وَبِطَانَةً مِنْ غَيْرِهِمْ يُطْلِعُونَهُمْ عَلَى الْأَسْرَارِ، وَلِهَذَا أَشْرَكَ الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذَا لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِهِمْ فِي وِلَايَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ دُونِ أَعْدَائِهِمْ، وَيَضُرُّهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute