للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ التَّائِبِينَ فِيمَا يَتُوبُونَ عَنْهُ حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَتُوبُ إِلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُهُ مِنَ الْغَفْلَةِ، وَمِنَ التَّقْصِيرِ فِي اسْتِكْمَالِ الْجُهْدِ فِي الطَّاعَةِ.

وَأَمَّا التَّوْبَةُ مِنَ الرَّبِّ عَلَى عَبْدِهِ فَهِيَ قَبُولُ تَوْبَتِهِ، وَالتَّجَاوُزُ عَنْ ذَنْبِهِ أَوْ هَفْوَتِهِ،

أَوْ عَنْ تَقْصِيرِهِ فِي عِبَادَتِهِ، وَالْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ فِي إِقَامَةِ سُنَنِهِ، وَتَنْفِيذِ شَرِيعَتِهِ - وَعَطْفُهُ عَلَيْهِ بِمَا يَكُونُ مَزِيدَ كَمَالٍ فِي إِعْلَاءِ دَرَجَتِهِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: إِنَّ التَّوْبَةَ هِيَ أَوَّلُ دَرَجَاتِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَهِيَ آخِرُ دَرَجَاتِ الْكَمَالِ فِي الْإِيمَانِ وَثَمَرَاتِهِ، وَإِنَّهَا كَالطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ لَا بُدَّ مِنِ اسْتِمْرَارِهَا مِنْ أَوَّلِ سِنِّ التَّكْلِيفِ إِلَى آخِرِهَا.

(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)

(فِي فَضْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُمَّتِهِ، وَحُقُوقِهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهَا، وَحُكْمِ إِخْلَالِهَا بِهَا وَتَقْصِيرِهَا فِيهَا)

(وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ)

(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي صِفَاتِهِ الْخَاصَّةِ وَفِيهِ بِضْعُ مَزَايَا وَفَضَائِلَ)

(الْأَوَّلُ) وَصْفُ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ بِأَنَّهُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ: (أُذُنُ خَيْرٍ) (٩: ٦١) فِي الرَّدِّ الْحَكِيمِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ (هُوَ أُذُنٌ) (٩: ٦١) يَعْنُونَ أَنَّهُ يُصَدِّقُ كُلَّ مَا يُقَالُ لَهُ فَيَسْهُلُ عَلَيْهِمْ خِدَاعُهُ، وَقَدْ فَسَّرَ وَصْفَهُ بِأَنَّهُ أُذُنُ خَيْرٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٩: ٦١) وَوَجْهُ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِهَذَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِاللهِ: وَيُصَدِّقُ مَا يُوجِبُهُ إِلَيْهِ فِي شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ الْقَطْعِيُّ الْيَقِينِيُّ، وَيَلِيهِ أَنَّهُ يُصَدِّقُ الْمُؤْمِنِينَ بِاللهِ تَعَالَى وَبِرِسَالَتِهِ تَصْدِيقَ ثِقَةٍ بِهِمْ وَائْتِمَانٍ لَهُمْ فِيمَا هُوَ خَيْرٌ فِي نَفْسِهِ، وَخَيْرٌ لِلنَّاسِ حَتَّى الْمُنَافِقِينَ مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُ لَا يَسْمَعُ سَمَاعَ قَبُولٍ إِلَّا مَا كَانَ حَقًّا وَخَيْرًا، دُونَ الْكَذِبِ وَالْغَيْبَةِ وَالنَّمِيمَةِ. رَاجِعْ تَفْسِيرَهَا فِي ص ٤٤٥ وَمَا بَعْدَهَا ج ١٠ ط الْهَيْئَةِ) .

(الثَّانِيَةُ) وَصْفُهُ تَعَالَى إِيَّاهُ بَعْدَ مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) (٩: ٦١) أَيْ بِمَا كَانَ سَبَبًا لِهِدَايَتِهِمْ وَإِسْبَاغِ اللهِ عَلَيْهِمْ سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بِإِيمَانِهِمْ بِهِ وَعَمَلِهِمْ بِمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ أَسْبَابِهَا، دُونَ الْمُنَافِقِينَ الْمُكَذِّبِينَ أَوِ الْمُرْتَابِينَ فِيهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (٢١: ١٠٧) فَهُوَ فِي مَعْنَى إِرْسَالِهِ لِلنَّاسِ كَافَّةً بِمَا هُوَ سَبَبُ الرَّحْمَةِ وَالسَّعَادَةِ. وَمَا يَأْتِي قَرِيبًا مِنْ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ رَحِيمٌ بِالْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ مَعْنَى آخَرُ وَسَتَعْرِفُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا.

(الثَّالِثَةُ) وَصْفُهُ فِي آيَةِ (١٠٣) بِتَطْهِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَزْكِيَتِهِمْ بِمَا يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>