للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الثَّامِنَةُ) إِعْلَامُهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ النَّبِيِّ - مِنْ حَيْثُ هُوَ نَبِيٌّ - وَلَا مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَوْتِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بَعْدَ أَنْ فَعَلُوا ذَلِكَ. وَهَذَا نَصُّ الْآيَةِ ١١٣ وَهِيَ إِرْشَادٌ مِنَ اللهِ لَهُمْ فِيمَا يَجِبُ أَنْ يَقِفُوا عِنْدَهُ مِنْ مَوَدَّةِ الْقَرَابَةِ وَالنَّسَبِ (رَاجِعْ تَفْسِيرَ الْآيَةِ بِأَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ) .

(التَّاسِعَةُ) نَهْيُهُ تَعَالَى إِيَّاهُ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ أَوِ الْقِيَامِ عَلَى قُبُورِهِمْ عِنْدَ الدَّفْنِ بَعْدَ صَلَاتِهِ عَلَى زَعِيمِهِمُ الْأَكْبَرِ الْأَكْفَرِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ وَالْقِيَامِ عَلَى قَبْرِهِ عِنْدَ دَفْنِهِ تَكْرِيمًا لِنَجْلِهِ الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ، وَتَأْلِيفًا لِقَوْمِهِ - وَكَانَ أَكْثَرُ الْمُنَافِقِينَ مِنْهُمْ - وَهَذَا النَّهْيُ يَتَضَمَّنُ الْإِنْكَارَ وَالتَّأْدِيبَ وَالْحَدَّ الَّذِي يَجِبُ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ فِي مُعَامَلَةِ الْمُنَافِقِينَ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ.

(الْعَاشِرَةُ) نَهْيُهُ عَنِ الْإِعْجَابِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ، وَإِعْلَامِهِ بِأَنَّ اللهَ يُعَذِّبُهُمْ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، وَهُوَ فِي الْآيَتَيْنِ ٥٥ و٥٨ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخِطَابَ فِيهِمَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ الْقُرْآنَ أَوْ يَقْرَؤُهُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ تَأْدِيبٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى وَتَكْمِيلٌ لِلنَّبِيِّ وَالْمُؤْمِنِينَ بِالسُّمُوِّ بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ تَعْظِيمِ شَأْنِ قُوَّةِ الْأَمْوَالِ وَعِزَّةِ الْأَوْلَادِ. وَزِينَتُهُمَا يَكُونَانِ لِلْمَحْرُومِينَ مِنْ قُوَّةِ الْإِيمَانِ وَعِزَّتِهِ، وَهُمَا اللَّتَانِ لَا يَعْلُوهُمَا شَيْءٌ - وَتَعْلِيمُهُمْ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ مِنْ أَنَّ النِّعَمَ الصُّورِيَّةَ الدُّنْيَوِيَّةَ لَا تَتِمُّ لِأَهْلِهَا النِّعْمَةُ بِهَا إِلَّا بِاطْمِئْنَانِ الْقُلُوبِ بِنِعْمَةِ الْإِيمَانِ، وَتَزَكِّي الْأَنْفُسِ بِأَعْمَالِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ السَّعَادَةَ الْحَقِيقِيَّةَ إِنَّمَا هِيَ سَعَادَةُ النَّفْسِ بِالْعِلْمِ وَالْعِرْفَانِ وَعُلُوِّ الْأَخْلَاقِ، وَمِنْ مُتَمِّمَاتِهَا الدُّنْيَوِيَّةِ كَثْرَةُ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ بِفَقْدِهِمْ لِهَذِهِ النِّعَمِ الْبَاطِنَةِ، لَا سَعَادَةَ لَهُمْ بِتِلْكَ النِّعَمِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُنَغِّصَاتٌ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا نَفْسِهَا بِمَا بَيَّنَّاهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَتَيْنِ (فِي ص ٤١٨ و٤٩٥ ج ١٠ ط الْهَيْئَةِ) .

(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) تَوْبَتُهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى خِيَارِ أَصْحَابِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَا مُنْتَهَى التَّطْهِيرِ وَالتَّزْكِيَةِ لَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِثْرِ غَزْوَةِ تَبُوكَ الَّتِي أُرْهِقُوا فِيهَا أَشَدَّ الْعُسْرِ، وَقَاسَوْا أَعْظَمَ الْجُهْدِ، مِنَ الْجُوعِ وَالظَّمَأِ وَالنَّصَبِ، وَمُفَارَقَةِ مَوْسِمِ الرُّطَبِ، فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، وَقِلَّةِ الزَّادِ وَالظَّهْرِ، (الرَّوَاحِلِ) فَكَانَ لَا بُدَّ أَنْ يَعْرِضَ لَهُمْ بَعْضَ الْهَفَوَاتِ الْجَدِيرَةِ بِرَأْفَةِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ فِي جَانِبِ تِلْكَ الْحَسَنَاتِ، الَّتِي أُشِيرَ إِلَى مُضَاعَفَةِ أَجْرِهَا فِيمَا يَلِي الْإِخْبَارَ بِالتَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْآيَاتِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (٩: ١١٧) ثُمَّ ذَكَرَ فِيمَا يَلِيهَا تَوْبَتَهُ عَلَى الَّذِينَ خُلِّفُوا مِنْ هَؤُلَاءِ الصَّادِقِينَ عَنْ تَبُوكَ بِغَيْرِ عُذْرٍ (حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) (٩: ١١٨) إِلَخْ.

وَالتَّوْبَةُ مِنَ الْعَبْدِ إِلَى رَبِّهِ هِيَ رُجُوعُهُ إِلَيْهِ عَنْ كُلِّ مَا لَا يُرْضِيهِ وَتَحَرِّيهِ مَا يُرْضِيهِ، وَهِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>