للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الَّتِي يَتَمَتَّعُ بِهَا الْمُتْرَفُونَ وَالْمُلُوكُ فِي الْبَرِّ مِنَ الْأَرَائِكِ وَالسُّرُرِ وَالْحَمَّامَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ قِلَاعًا وَحُصُونًا فِيهَا أَقْتَلُ آلَاتِ الْحَرْبِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ رَحْمَةِ الْإِلَهِ الَّذِي خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَهَدَى إِلَيْهَا الْإِنْسَانَ، فَلَا بُدَّ لِفَهْمِ كَوْنِهَا آيَةً عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ مِنْ فَهْمِ طَبِيعَةِ الْمَاءِ وَطَبِيعَةِ قَانُونِ الثِّقَلِ فِي الْأَجْسَامِ وَطَبِيعَةِ الْهَوَاءِ وَالرِّيحِ، وَزِدْ عَلَى ذَلِكَ مَعْرِفَةَ طَبِيعَةِ الْبُخَارِ وَالْكَهْرَبَاءِ الَّتِي هِيَ الْعُمْدَةُ فِي سَيْرِ الْفُلْكِ الْكُبْرَى فِي زَمَانِنَا، فَكُلُّ ذَلِكَ يَجْرِي عَلَى سُنَنٍ إِلَهِيَّةٍ مُطَّرِدَةٍ مُنْتَظِمَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا صَادِرَةٌ عَنْ قُوَّةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ مَصْدَرُ الْإِبْدَاعِ وَالنِّظَامِ وَهِيَ قُوَّةُ الْإِلَهِ الْوَاحِدِ الْحَكِيمِ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

الْجِنْسُ الْخَامِسُ قَوْلُهُ: (وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ) الْمُرَادُ بِالسَّمَاءِ هُنَا: جِهَةُ الْعُلُوِّ أَوِ السَّحَابُ لَا مَا قَالَهُ الْمَخْذُولُونَ الَّذِينَ تَجَرَّءُوا عَلَى الْكَذِبِ عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَزَعَمُوا أَنَّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بَحْرًا، قَالُوا: إِنَّهُ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ وَإِنَّ الْمَطَرَ يَنْزِلُ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ فِي تَفْصِيلٍ اخْتَرَعُوهُ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهِ مِنْ سُلْطَانٍ، وَتَبِعَهُمْ فِيهِ أَسْرَى النَّقْلِ وَلَوْ خَالَفَ الْحِسَّ وَالْبُرْهَانَ، وَنُزُولُ الْمَطَرِ مِنَ الْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ وَلَا نَظَرِ عَقْلٍ، وَقَدْ شَرَحَ كَيْفِيَّةَ تَكْوِينِهِ وَنُزُولِهِ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي الْكَائِنَاتِ، وَوَصَفُوا بِالتَّدْقِيقِ الْآيَاتِ الْمُشَاهَدَاتِ، وَلَمْ يَخْرُجْ شَرْحُهُمُ الطَّوِيلُ عَنِ الْكَلِمَةِ الْوَجِيزَةِ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا الْمَطَرُ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ) (٣٠: ٤٨) فَحَرَارَةُ الْهَوَاءِ هِيَ الَّتِي تُبَخِّرُ الْمِيَاهَ وَالرُّطُوبَاتِ وَتُثِيرُهَا الرِّيَاحُ فِي الْجَوِّ حَتَّى تَتَكَاثَفَ بِبُرُودَتِهَا وَتَكُونَ كِسَفًا مِنَ السَّحَابِ يَتَحَلَّلُ مِنْهُ الْمَاءُ وَيَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيَنْزِلُ بِثِقَلِهِ إِلَى الْأَرْضِ، كَثِيرًا مَا شَاهَدْنَا فِي جِبَالِ سُورِيَةَ كَمَا يُشَاهِدُ النَّاسُ فِي غَيْرِهَا أَنْ يَنْعَقِدَ السَّحَابُ فِي أَثْنَاءِ الْجَبَلِ وَيَنْزِلُ مِنْهُ الْمَطَرُ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ فَوْقَهُ حَيْثُ لَا مَطَرَ، وَقَدْ يَخْتَرِقُ النَّاسُ مِنْطَقَةَ الْمَطَرِ إِلَى مَا فَوْقَهَا.

وَقَدْ وَصَفَ اللهُ تَعَالَى هَذَا الْجِنْسَ مِنْ آيَاتِهِ بِأَعْظَمِ آثَارِهِ فَقَالَ: (فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) أَيْ: أَوْجَدَ بِسَبَبِهِ الْحَيَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَيِّتَةِ بِخُلُوِّهَا مِنْ صِفَاتِ الْإِحْيَاءِ كَالنُّمُوِّ وَالتَّغَذِّي وَالنِّتَاجِ، وَبَثَّ: أَيْ نَشَرَ وَفَرَّقَ فِي أَرْجَائِهَا مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْأَحْيَاءِ الَّتِي تَدُبُّ عَلَيْهَا وَهِيَ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، فَبِالْمَاءِ حَدَثَتْ حَيَاةُ الْأَرْضِ بِالنَّبَاتِ وَبِهِ اسْتَعَدَّتْ لِظُهُورِ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ فِيهَا. وَهَلِ الْمُرَادُ الْإِحْيَاءُ الْأَوَّلُ وَمَا تَلَاهُ مِنْ تَوَلُّدِ الْحَيَوَانَاتِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِكُلِّ دَابَّةٍ أَوْ هُوَ مَا يُشَاهَدُ مِنْ آحَادِ الْأَحْيَاءِ الَّتِي تَتَوَلَّدُ دَائِمًا فِي جَمِيعِ بِقَاعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>