مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ وَإِنَّمَا نَذْكُرُهَا هُنَا بِالْإِجْمَالِ رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمُوا أَنَّ الْقُرْآنَ مُسْتَمَدٌّ مِنْ كُتُبِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمِنْ عَقْلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلْهَامَاتِهِ الرُّوحِيَّةِ.
وَيُنَاسِبُ هَذَا مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَبَأِ خَرَابِ الْعَالِمِ وَقِيَامِ السَّاعَةِ الَّتِي هِيَ بَدْءُ مَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ مِنْ عَقِيدَةِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ أَصْلٌ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا غَيْرِهِمْ، وَلَا هُوَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَفَهُ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَكَائِهِ أَوْ نَظَرِيَّاتِهِ الْعَقْلِيَّةِ. وَجُمْلَتُهُ أَنَّ قَارِعَةً - وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَوْكَبٌ - تَقْرَعُ الْأَرْضَ وَتَصُخُّهَا صَخًّا وَتَرُجُّهَا رَجًّا فَتَكُونُ هَبَاءً (غُبَارًا رَقِيقًا) مُنْبَثًّا فِي الْفَضَاءِ وَحِينَئِذٍ يَخْتَلُّ مَا يُسَمَّى فِي عُرْفِ الْعُلَمَاءِ بِالْجَاذِبِيَّةِ لِلْعَامَّةِ فَتَتَنَاثَرُ الْكَوَاكِبُ إِلَخْ. وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ يَخْطُرُ بِبَالِ أَحَدٍ أَنْ يُقَالَ إِنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَهُ مِنْ أَحَدٍ فِي بَلَدِهِ أَوْ فِي سَفَرِهِ وَلَا يَعْقِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ بِرَأْيِهِ وَفِكْرِهِ، فَهُوَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرْآنِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي تَدْحَضُ زَعْمَ الْقَائِلِينَ بِالْوَحْيِ النَّفْسِيِّ وَقَدْ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْهَيْئَةِ الْفَلَكِيَّةِ الْمُعَاصِرِينَ بِأَنَّ خَرَابَ الْعَالَمِ بِهَذَا السَّبَبِ هُوَ أَقْرَبُ النَّظَرِيَّاتِ الْعِلْمِيَّةِ لِخَرَابِهِ.
(الرُّكْنُ الثَّالِثُ لِلدِّينِ الْعَمَلُ الصَّالِحِ)
وَأَمَّا الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ مَقَاصِدِ بَعْثَةِ الرُّسُلِ وَهُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فَهُوَ مُكَرَّرٌ فِي الْقُرْآنِ فِي سُوَرٍ كَثِيرَةٍ ; لِإِصْلَاحِ مَا أَفْسَدَهُ الْبَشَرُ فِيهِ بِجَعْلِهِ تَقْلِيدِيًّا غَيْرَ مُزَكٍّ النَّفْسَ وَلَا مُصْلِحٍ لِشُئُونِ الِاجْتِمَاعِ، وَلَكِنْ دُونَ تَكْرَارِ تَوْحِيدِ اللهِ وَتَقْدِيسِهِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي يَتْبَعُهُ، وَلَوْلَا الْحَاجَةُ إِلَى هَذَا التَّكْرَارِ فِي التَّذْكِيرِ وَالتَّأْثِيرِ لَكَانَتْ سُورَةُ الْعَصْرِ كَافِيَةً فِي الْإِصْلَاحِ الْعِلْمِيِّ الْعَمَلِيِّ عَلَى قِصَرِهَا، كَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ الِاعْتِقَادِيِّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا تُكْتَبُ فِي سَطْرٍ وَاحِدٍ، فَهُمَا مِنْ مُعْجِزَاتِ إِيجَازِ الْقُرْآنِ وَهِدَايَتِهِ.
ثُمَّ إِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ بِاللهِ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى ; لِأَنَّ مَنْ عَرَفَ اللهَ عَرَفَ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْحَمْدِ وَالشُّكْرِ وَالْعِبَادَةِ وَالْحُبِّ وَالتَّعْظِيمِ، وَهُوَ مِنْ لَوَازِمَ الْإِيمَانِ بِالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ خَوْفًا مِنَ الْعِقَابِ وَرَجَاءً فِي الثَّوَابِ.
وَيَدْخُلُ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْعِبَادَاتُ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَسَائِرُ أَعْمَالِ الْبِرِّ الَّتِي تُرْضِيهِ بِمَا لَهَا مِنَ التَّأْثِيرِ فِي صَلَاحِ الْبَشَرِ كَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِكْرَامِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ. وَمِنْ أُصُولِهِ الْوَصَايَا الْجَامِعَةُ فِي آيَاتِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ:
(وَقَضَى رَبُّكَ) إِلَى قَوْلِهِ: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) (١٧: ٢٣ - ٣٩) إِلَخْ وَهِيَ أَجْمَعُ وَأَعْظَمُ مِنَ الْوَصَايَا الْعَشْرِ الَّتِي فِي التَّوْرَاةِ. وَآيَاتُ سُورَةِ الْأَنْعَامِ: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) (٦: ١٥١) إِلَخْ. وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَنْفَعُ النَّاسَ مِنَ الْحَثِّ عَلَى الْفَضَائِلِ، وَالزَّجْرِ عَنِ الرَّذَائِلِ وَالْمَعَاصِي الضَّارَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute