للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلُهُ: (أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى) (٣٠: ٨) وَقَوْلُهُ فِي صِفَاتِ الْعُقَلَاءِ أُولِي الْأَلْبَابِ: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (٣: ١٩١) وَقَوْلُهُ بَعْدَ نَفْيِ عِلْمِ الْغَيْبِ وَالتَّصَرُّفِ فِي خَزَائِنِ الْأَرْضِ عَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَصْرِ وَظِيفَتِهِ فِي اتِّبَاعِ الْوَحْيِ: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ) (٦: ٥٠) .

وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ حُكَمَاءِ الْغَرْبِ، بِمَا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ عَاقِلَانِ فِي الْأَرْضِ، مِنْ أَنَّ التَّفَكُّرَ هُوَ مَبْدَأُ ارْتِقَاءِ الْبَشَرِ، وَبِقَدْرِ جَوْدَتِهِ يَكُونُ تَفَاضُلُهُمْ فِيهِ اهـ. وَقَدْ كَانَتِ التَّقَالِيدُ الدِّينِيَّةُ حَجَّرَتْ حُرِّيَّةَ التَّفَكُّرِ وَاسْتِقْلَالَ الْعَقْلِ عَلَى الْبَشَرِ حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ فَأَبْطَلَ بِكِتَابِهِ هَذَا الْحَجْرَ، وَأَعْتَقَهُمْ مِنْ هَذَا الرِّقِّ، وَقَدْ تَعَلَّمَ هَذِهِ الْحُرِّيَّةَ أُمَمُ الْغَرْبِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ نُكِسَ هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى رُءُوسِهِمْ فَحَرَّمُوهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، حَتَّى عَادَ بَعْضُهُمْ يُقَلِّدُونَ فِيهَا مَنْ أَخَذُوهَا عَنْ أَجْدَادِهِمْ.

(٣) الْإِسْلَامُ دِينُ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ:

ذُكِرَ اسْمُ الْعِلْمِ مَعْرِفَةً وَنَكِرَةً فِي عَشَرَاتٍ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، وَذُكِرَتْ مُشْتَقَّاتُهُ أَضْعَافَ ذَلِكَ، وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى عُلُومِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا بِأَنْوَاعِهَا، فَمِنَ الْعِلْمِ الْمُطْلَقِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي وَصَايَا سُورَةِ الْإِسْرَاءِ: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (١٧: ٣٦) قَالَ الرَّاغِبُ: أَيْ لَاتَحْكُمْ بِالْقِيَافَةِ وَالظَّنِّ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ مَا مُلَخَّصُهُ: وَلَا تَتَّبِعْ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ عِلْمُكَ تَقْلِيدًا أَوْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي الْعِلْمِ الْمَأْثُورِ فِي التَّارِيخِ: (اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (٤٦: ٤) وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي عُلُومِ

الْبَشَرِ الْمَادِّيَّةِ: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (٣٠: ٦ و٧) إِلَخْ. وَقَوْلُهُ فِيهَا دُونَ الْعِلْمِ الرُّوحِيِّ: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) (١٧: ٨٥) .

وَقَوْلُهُ فِي الْعِلْمِ الْعَقْلِيِّ: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ) (٢٢: ٨) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ فِيهِ الْعِلْمُ النَّظَرِيُّ، بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِالْهُدَى وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ وَهُوَ هُدَى الدِّينِ. وَقَوْلُهُ فِي الْعِلْمِ الطَّبِيعِيِّ: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) (٣٠: ٢٢) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ عُلَمَاءِ الْكَوْنِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذِكْرِ إِخْرَاجِ الثَّمَرَاتِ الْمُخْتَلِفِ أَلْوَانُهَا مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ، وَاخْتِلَافُ أَلْوَانِ الطَّرَائِقِ فِي الْجِبَالِ وَأَلْوَانِ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ: (إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (٣٥:٢٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>