الْآيَةَ. فَالْمُرَادُ بِالْعُلَمَاءِ هُنَا الَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَسْرَارَ الْكَوْنِ وَأَسْبَابَ اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهِ وَأَنْوَاعِهِ وَأَلْوَانِهَا وَآيَاتِ اللهِ وَحِكَمِهِ فِيهَا.
عَظَّمَ الْقُرْآنُ شَأْنَ الْعِلْمِ تَعْظِيمًا لَا تُعْلُوهُ عَظْمَةٌ أُخْرَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ) (٣: ١٨) الْآيَةَ، فَبَدَأَ عَزَّ وَجَلَّ بِنَفْسِهِ وَثَنَّى بِمَلَائِكَتِهِ، وَجَعَلَ أُولِي الْعِلْمِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ، وَيَدْخُلُ فِيهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالْحُكَمَاءُ وَمَنْ دُونَهُمْ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَاتِ فِي قَوْلِهِ: يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ (٥٨: ١١) وَأَمَرَ أَكْرَمَ رُسُلِهِ وَأَعْلَمَهُمْ بِأَنْ يَدْعُوَهُ بِقَوْلِهِ: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (٢٠: ١١٤) .
وَيُؤَيِّدُ الْآيَاتِ الْمُنَزَّلَةَ فِي مَدْحِ الْعِلْمِ وَالْحَثِّ عَلَى مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ اتِّبَاعِ الظَّنِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (١٠: ٣٦) وَمِثْلُهُ: وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (٥٣: ٢٨) وَقَوْلُهُ فِي قَوْلِ النَّصَارَى بِصَلْبِ الْمَسِيحِ: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ (٤: ١٥٧) .
وَبَلَغَ مِنْ تَعْظِيمِهِ لِشَأْنِ الْعِلْمِ وَالْبُرْهَانِ أَنْ قَيَّدَ بِهِ الْحُكْمَ بِمَنْعِ الشِّرْكِ بِاللهِ تَعَالَى وَالنَّهْيِ عَنْهُ وَهُوَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ وَأَقْصَى الْكُفْرِ فَقَالَ: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٧: ٣٣) السُّلْطَانُ الْبُرْهَانُ.
وَقَالَ فِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ الْكَافِرَيْنِ: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا
وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا (٢٩: ٨) وَمَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الشِّرْكَ بِاللهِ لَا يَكُونُ بِعِلْمٍ وَلَا بِبُرْهَانٍ، لِأَنَّهُ ضَرُورِيُّ الْبُطَلَانِ، وَتَرَى تَفْصِيلَ هَذَا فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ تَعْظِيمِ أَمْرِ الْحُجَّةِ وَالدَّلِيلِ وَمَا يَلِيهِ مِنْ ذَمِّ التَّقْلِيدِ.
وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي تَعْظِيمِ شَأْنِهَا الْمُطْلَقِ: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٢: ٢٦٩) : وَقَالَ تَعَالَى فِي بَيَانِ مُرَادِهِ مِنْ بَعْثَةِ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٦٢: ٢) وَفِي مَعْنَاهَا آيَتَانِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ. وَقَالَ لِرَسُولِهِ مُمْتَنًّا عَلَيْهِ: وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (٤: ١١٣) وَقَالَ لَهُ: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (١٦: ١٢٥) وَقَالَ لَهُ فِي خَاتِمَةِ الْوَصَايَا بِأُمَّهَاتِ الْفَضَائِلِ وَالنَّهْيِ عَنْ كَبَائِرِ الرَّذَائِلِ، مَعَ بَيَانِ عِلَلِهَا وَمَا لَهَا مِنَ الْعَوَاقِبِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute