للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنَ الْجُزْءِ السَّابِعِ وَجُمِعَ فِي رِسَالَةٍ خَاصَّةٍ.

(٥) مَنْعُ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَإِبْطَالُ جَعْلِهِ تَعْذِيبًا لِلنَّفْسِ، بِإِبَاحَةِ الطَّيِّبَاتِ وَالزِّينَةِ بِدُونِ إِسْرَافٍ وَلَا كِبْرِيَاءَ، وَقَدْ فَصَّلْنَا ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْأَمْرِ بِالْأَكْلِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَسُورَةِ الْمَائِدَةِ وَفِي تَفْسِيرِ: (يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٧: ٣١ و٣٢) وَقَالَ تَعَالَى: (يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) وَهُوَ فِي (٤: ١٧١) وَ (٥: ٧٧) وَفِي هَذَا النَّهْيِ اعْتِبَارٌ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِالِانْتِهَاءِ عَنِ الْغُلُوِّ بِأَنَّ دِينَهُمْ دِينُ الرَّحْمَةِ وَالْيُسْرِ. وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي نَهْيِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْغُلُوِّ فِي الْعِبَادَةِ وَعَنْ تَرْكِ الطَّيِّبَاتِ وَعَنِ الرَّهْبَانِيَّةِ وَالْخِصَاءِ مُبَيِّنَةٌ لِهَذِهِ الْآيَاتِ، وَهِيَ مِصْدَاقُ تَسْمِيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ.

(٦) قِلَّةُ تَكَالِيفِهِ وَسُهُولَةُ فَهْمِهَا، وَقَدْ كَانَ الْأَعْرَابِيُّ يَجِيءُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْبَادِيَةِ فَيُسْلِمُ، فَيُعْلِمُهُ مَا أَوْجَبَ اللهُ وَمَا حَرَّمَ عَلَيْهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَيُعَاهِدُهُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ فَيَقُولُ: ((أَفْلَحَ الْأَعْرَابِيُّ إِنْ صَدَقَ)) وَكَانَ هَذَا أَعْظَمَ أَسْبَابِ قَبُولِ النَّاسِ لَهُ. وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ أَكْثَرُوا التَّكَالِيفَ بِآرَائِهِمُ الِاجْتِهَادِيَّةِ حَتَّى صَارَ الْعِلْمُ بِهَا مُتَعَسِّرًا، وَالْعَمَلُ بِهَا مُتَعَذِّرًا.

(٧) انْقِسَامُ التَّكْلِيفِ إِلَى عَزَائِمَ وَرُخَصٍ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُرَجِّحُ جَانِبَ الرُّخَصِ، وَابْنُ عُمَرَ يُرَجِّحُ الْعَزَائِمَ. وَالنَّاسُ دَرَجَاتٌ فِي التَّقْصِيرِ وَالتَّشْمِيرِ

وَالِاعْتِدَالِ، فَيُوَافِقُ الْبَدَوِيَّ السَّاذَجَ وَالْفَيْلَسُوفَ الْحَكِيمَ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الطَّبَقَاتِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٣٥: ٣٢) .

(٨) نُصُوصُ الْكِتَابِ وَهَدْيُ السُّنَّةِ مُرَاعًى فِيهِمَا دَرَجَاتُ الْبَشَرِ فِي الْعَقْلِ وَالْفَهْمِ وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ وَضَعْفِهَا، فَالْقَطْعِيُّ مِنْهَا هُوَ الْعَامُّ، وَغَيْرُ الْقَطْعِيِّ تَتَفَاوَتُ فِيهِ الْأَفْهَامُ، فَيَأْخُذُ كُلُّ أَحَدٍ مِنْهُ بِمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَلِذَلِكَ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقِرُّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِ عَلَى اجْتِهَادِهِ، كَمَا فَعَلَ عِنْدَمَا نَزَلَتْ آيَةُ الْبَقَرَةِ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ الدَّالَّةُ عَلَى تَحْرِيمِهِمَا دَلَالَةً ظَنِّيَّةً فَتَرَكَهُمَا بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، وَأَقَرَّ كُلًّا عَلَى اجْتِهَادِهِ إِلَى أَنْ نَزَلَتْ آيَتَا الْمَائِدَةِ بِالتَّحْرِيمِ الْقَطْعِيِّ. قَالَ تَعَالَى: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) (٢٩: ٤٣) .

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْفَرَائِضَ الدِّينِيَّةَ الْعَامَّةَ فِيهِ وَالْمُحَرَّمَاتِ الدِّينِيَّةَ الْعَامَّةَ لَا يَثْبُتَانِ إِلَّا بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ يَفْهَمُهُ كُلُّ أَحَدٍ، وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ التَّحْرِيمُ فَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ السَّلَفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>