للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَيْضًا، وَأَمَّا الْآيَاتُ الظَّنِّيَّةُ الدَّلَالَةِ، وَالْأَحَادِيثُ الْأُحَادِيَّةُ الظَّنِّيَّةُ الرِّوَايَةِ أَوِ الدَّلَالَةِ، فَهِيَ مَوْكُولَةٌ إِلَى اجْتِهَادِ مَنْ يَثْبُتُ عِنْدَهُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْأَعْمَالِ الشَّخْصِيَّةِ، وَإِلَى اجْتِهَادِ أُولِي الْأَمْرِ فِي الْأَحْكَامِ الْقَضَائِيَّةِ وَالْمَسَائِلِ السِّيَاسِيَّةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي مَوَاضِعَ مِنَ التَّفْسِيرِ وَالْمَنَارِ.

(٩) مُعَامَلَةُ النَّاسِ بِظَوَاهِرِهِمْ وَجَعْلُ الْبَوَاطِنِ مَوْكُولَةً إِلَى اللهِ تَعَالَى، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْحُكَّامِ وَلَا الرُّؤَسَاءِ الرَّسْمِيِّينَ وَلَا لِخَلِيفَةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعَاقِبَ أَحَدًا وَلَا أَنْ يُحَاسِبَهُ عَلَى مَا يَعْتَقِدُ أَوْ يُضْمِرُ فِي قَلْبِهِ، وَإِنَّمَا الْعُقُوبَاتُ عَلَى الْمُخَالَفَاتِ الْعَمَلِيَّةِ لِلْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ النَّاسِ وَمَصَالِحِهِمْ وَقَدْ فَصَّلْنَا هَذَا فِي خُلَاصَةِ تَفْسِيرِ سُورَةِ: بَرَاءَةٌ ((التَّوْبَةِ)) .

(١٠) مَدَارُ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا عَلَى اتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الظَّاهِرِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا رَأْيٌ شَخْصِيٌّ وَلَا رِيَاسَةٌ، وَمَدَارُهَا فِي الْبَاطِنِ عَلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى وَصِحَّةِ النِّيَّةِ، وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْأَمْرَيْنِ كَثِيرَةٌ.

الْمَقْصِدُ السَّادِسُ مِنْ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ بَيَانُ حُكْمِ الْإِسْلَامِ السِّيَاسِيِّ الدَّوْلِيِّ

(بَيَانُ حُكْمِ الْإِسْلَامِ السِّيَاسِيِّ الدَّوْلِيِّ: نَوْعِهِ وَأَسَاسِهِ وَأُصُولِهِ الْعَامَّةِ)

الْإِسْلَامُ دِينُ هِدَايَةٍ وَسِيَادَةٍ وَسِيَاسَةٍ وَحُكْمٍ؛ لِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ إِصْلَاحِ الْبَشَرِ فِي جَمِيعِ شُئُونِهِمُ الدِّينِيَّةِ وَمَصَالِحِهِمُ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالْقَضَائِيَّةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى السِّيَادَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ وَإِقَامَةِ الْحَقِّ، وَالِاسْتِعْدَادِ لِحِمَايَةِ الدِّينِ وَالدَّوْلَةِ، وَفِيهِ أُصُولٌ وَقَوَاعِدُ.

(الْقَاعِدَةُ الْأَسَاسِيَّةُ الْأُولَى لِلْحُكْمِ الْإِسْلَامِيِّ)

الْحُكْمُ فِي الْإِسْلَامِ لِلْأُمَّةِ، وَشَكْلُهُ شُورَى، وَرَئِيسُهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوِ (الْخَلِيفَةُ) مُنَفِّذٌ لِشَرْعِهِ، وَالْأُمَّةُ هِيَ الَّتِي تَمْلِكُ نَصْبَهُ وَعَزْلَهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (٤٢: ٣٨) وَقَالَ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (٣: ١٥٩) وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُشَاوِرُ أَصْحَابَهُ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ مِنْ سِيَاسِيَّةٍ وَحَرْبِيَّةٍ وَمَالِيَّةٍ مِمَّا لَا نَصَّ فِيهِ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، وَقَدْ بَيَّنْتُ فِي تَفْسِيرِهَا حِكْمَةَ تَرْكِ الشُّورَى لِاجْتِهَادِ الْأُمَّةِ.

وَقَالَ تَعَالَى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (٤: ١٥٩) وَأُولُو الْأَمْرِ هُمْ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَالرَّأْيِ الْحَصِيفِ فِي مَصَالِحِهَا، الَّذِينَ تَثِقُ بِهِمُ الْأُمَّةُ وَتَتْبَعُهُمْ فِيمَا يُقِرُّونَهُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ تِلْكَ الْآيَةِ مِنْ سُورَتِهَا: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (٤: ٨٣) فَأُولُو الْأَمْرِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ الرَّسُولِ، وَكَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>