للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَفْرَدْنَاهُ مِنْ هَذَا الْبَحْثِ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ إِيرَادِ الشَّوَاهِدِ الْمُحَمَّلَةِ عَلَى أَنْوَاعِ الْإِصْلَاحِ الْإِسْلَامِيِّ مِنَ الْقُرْآنِ، لِلِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى أَنَّ جُمْلَةَ هَذِهِ الْعُلُومِ لَا يُعْقَلُ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا مِنْ آرَاءِ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، الَّذِي عَاشَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ عِيشَةَ الْعُزْلَةِ وَالِانْفِرَادِ، إِلَّا قَلِيلًا مِنْ رَعْيِ الْغَنَمِ فِي الصِّبَا وَالتِّجَارَةِ فِي الشَّبَابِ، وَقَدْ قَصَّرَتْ عَنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا كُتُبُ الْأَدْيَانِ الْإِلَهِيَّةِ، وَكُتُبُ الْحِكْمَةِ وَالْقَوَانِينِ الْبَشَرِيَّةِ.

(الْقَاعِدَةُ الْأَوْلَى فِي الْحَرْبِ الْمَفْرُوضَةِ شَرْعًا)

وَرَدَ الْأَمْرُ بِقِتَالِ الْمُعْتَدِّينَ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ دَرْءِ الْمَفَاسِدِ وَتَوْطِيدِ الْمَصَالِحِ، مُقْتَرِنًا بِالنَّهْيِ عَنْ قِتَالِ الِاعْتِدَاءِ وَالْبَغْيِ وَالظُّلْمِ، وَالشَّاهِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (٢: ١٩٠) وَتَعْلِيلُ النَّهْيِ عَنْ قِتَالِ الِاعْتِدَاءِ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ مُطْلَقًا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّهْيَ مُحْكَمٌ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّسَخِ، وَمِنْ ثَمَّ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ جُزْءِ التَّفْسِيرِ الثَّانِي أَنَّ حُرُوبَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْكُفَّارِ كَانَتْ كُلُّهَا دِفَاعًا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْعُدْوَانِ.

(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْغَرَضِ مِنَ الْحَرْبِ وَنَتِيجَتِهَا)

وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ الْإِيجَابِيَّةُ مِنَ الْقِتَالِ - بَعْدَ دَفْعِ الِاعْتِدَاءِ وَالظُّلْمِ وَاسْتِتْبَابِ الْأَمْنِ - حِمَايَةَ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا، وَعِبَادَةَ الْمُسْلِمِينَ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَمَصْلَحَةَ الْبَشَرِ، وَإِسْدَاءَ الْخَيْرِ إِلَيْهِمْ، لَا الِاسْتِعْلَاءَ عَلَيْهِمْ وَالظُّلْمَ لَهُمْ، وَالشَّاهِدُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ الْإِذْنِ الْأَوَّلِ بِالْقِتَالِ الدِّفَاعِيِّ لِلْمَظْلُومِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَجْلِ عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (٢٢: ٤٠ و٤١) .

ذَكَرَ فِي تَعْلِيلِ إِذْنِهِ لَهُمْ بِالْقِتَالِ الْمَذْكُورِ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ.

(أَوَّلُهَا) كَوْنُهُمْ مَظْلُومِينَ مُعْتَدًى عَلَيْهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَمُخْرَجِينَ نَفْيًا مِنْ أَوْطَانِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لِأَجْلِ دِينِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ، وَهَذَا سَبَبٌ خَاصٌّ بِهِمْ بِقِسْمَيْهِ الشَّخْصِيِّ وَالْوَطَنِيِّ، أَوِ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ.

(ثَانِيهَا) أَنَّهُ لَوْلَا إِذْنُ اللهِ لِلنَّاسِ بِمِثْلِ هَذَا الدِّفَاعِ، لَهُدِّمَتْ جَمِيعُ الْمَعَابِدِ الَّتِي يَذْكُرُ فِيهَا اسْمَ اللهِ تَعَالَى أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ، كَصَوَامِعِ الْعِبَادِ وَبِيَعِ النَّصَارَى وَصَلَوَاتِ الْيَهُودِ

(كَنَائِسِهِمَا) وَمَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ بِظُلْمِ عُبَّادِ الْأَصْنَامِ وَمُنْكِرِي الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، وَهَذَا سَبَبٌ دِينِيٌّ عَامٌّ صَرِيحٌ فِي حُرِّيَّةِ الدِّينِ فِي الْإِسْلَامِ وَحِمَايَةِ الْمُسْلِمِينَ لَهَا وَلِمَعَابِدِ أَهْلِهَا وَكَذَلِكَ كَانَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>