للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هِدَايَةُ الْإِسْلَامِ فِي تَحْرِيرِ الرَّقِيقِ وَأَحْكَامِهِ

قَدْ شَرَعَ اللهُ تَعَالَى لِإِبْطَالِ الرِّقِّ طَرِيقَتَيْنِ: عَدَمُ تَجْدِيدِ الِاسْتِرْقَاقِ فِي الْمُسْتَقَبْلِ، وَتَحْرِيرُ الرَّقِيقِ الْقَدِيمِ بِالتَّدْرِيجِ الَّذِي لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِيهِ.

(الطَّرِيقَةُ الْأُولَى) مَنَعَ الْإِسْلَامُ جَمِيعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنِ اسْتِرْقَاقِ الْأَقْوِيَاءِ لِلضُّعَفَاءِ إِلَّا اسْتِرْقَاقَ الْأَسْرَى وَالسَّبَايَا فِي الْحَرْبِ، الَّتِي اشْتَرَطَ فِيهَا مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مِنْ دَفْعِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْرِيرِ الْمَصَالِحِ وَمَنْعِ الِاعْتِدَاءِ وَمُرَاعَاةِ الْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ وَهِيَ شُرُوطٌ لَمْ تَكُنْ قَبْلَهُ مَشْرُوعَةً عِنْدَ الْمِلِّيِّينَ، وَلَا عِنْدَ أَهْلِ الْحَضَارَةِ فَضْلًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا شَرْعَ لَهُمْ وَلَا قَانُونَ، وَلَسْتُ أَعْنِي بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى شَرَعَ لَنَا مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الِاسْتِرْقَاقِ كُلَّ مَا كَانَتِ الْأُمَمُ تَفْعَلُهُ مُعَامَلَةً لَهُمْ بِالْمِثْلِ، بَلْ شَرَعَ لِأُولِي الْأَمْرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُرَاعَاةَ الْمَصْلَحَةِ لِلْبَشَرِ فِي إِمْضَائِهِ أَوْ إِبْطَالِهِ بِأَنْ خَيَّرَهُمْ فِي أَسْرَى الْحَرْبِ الشَّرْعِيَّةِ بَيْنَ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ بِالْحُرِيَّةِ، وَالْفِدَاءِ بِهِمْ، وَهُوَ نَوْعَانِ: فِدَاءُ الْمَالِ، وَفِدَاءُ الْأَنْفُسِ، إِذَا كَانَ لَنَا أُسَارَى أَوْ سَبْيٌ عِنْدَ قَوْمِهِمْ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ فِي قَوَاعِدِ الْحَرْبِ: (فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مِنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) (٤٧: ٤) وَلَمَّا كُنَّا مُخَيَّرِينَ فِيهِمْ بَيْنَ إِطْلَاقِهِمْ بِغَيْرِ مُقَابِلٍ وَالْفِدَاءِ بِهِمْ، جَازَ أَنْ يُعَدَّ هَذَا أَصْلًا شَرْعِيًّا لِإِبْطَالِ اسْتِئْنَافِ الِاسْتِرْقَاقِ فِي الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّ ظَاهِرَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ أَنَّ الْأَمْرَ الثَّالِثَ الَّذِي هُوَ الِاسْتِرْقَاقُ غَيْرُ جَائِزٍ، لَوْ لَمْ يُعَارِضْهُ أَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ الْمُتَّبَعُ عِنْدَ جَمِيعِ الْأُمَمِ، فَمِنْ أَكْبَرِ الْمَفَاسِدِ وَالضَّرَرِ أَنْ يَسْتَرِقُّوا أَسْرَانَا وَنُطْلِقَ أَسْرَاهُمْ وَنَحْنُ أَرْحَمُ بِهِمْ وَأَعْدَلُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي. وَلَكِنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ نَصًّا فِي الْحَصْرِ، وَلَا صَرِيحَةً فِي النَّهْيِ عَنِ الْأَصْلِ، فَكَانَتْ دَلَالَتُهَا عَلَى تَحْرِيمِ الِاسْتِرْقَاقِ مُطْلَقًا غَيْرَ قَطْعِيَّةٍ، فَبَقِيَ حُكْمُهُ مَحَلَّ اجْتِهَادِ أُولِي الْأَمْرِ، إِذَا وَجَدُوا الْمَصْلَحَةَ فِي إِبْقَائِهِ أَبْقَوْهُ، وَإِذَا وَجَدُوا الْمَصْلَحَةَ فِي تَرْجِيحِ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ بِالْحُرِّيَّةِ - وَهُوَ إِبْطَالٌ اخْتِيَارِيٌّ لَهُ - أَوِ الْفِدَاءُ بِهِمْ عَمِلُوا بِهِ.

(الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ مَا شَرَعَهُ لِتَحْرِيرِ الرَّقِيقِ الْمَوْجُودِ وُجُوبًا وَنَدْبًا وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ) .

(النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ أَحْكَامِ الرِّقِّ وَوَسَائِلِ تَحْرِيرِهِ اللَّازِبَةِ وَفِيهِ عَشْرُ مَسَائِلَ) .

(١) إِنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِنْسَانِ هُوَ الْحُرِّيَّةُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامٌ. (٢) تَحْرِيمُ الِاسْتِرْقَاقِ وَبُطْلَانُهُ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ بِشَرْطِهِ. (٣) الْكِتَابَةُ: وَهِيَ شِرَاءُ الْمَمْلُوكِ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ بِمَالٍ يَكْسِبُهُ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ بِهَا لِمَنْ يَبْتَغِيهَا، وَأَمَرَ بِمُسَاعَدَتِهِ عَلَيْهِ بِالْمَالِ مِنَ الْمَالِكِ نَفْسِهِ. (٤) إِذَا خَرَجَ الْأَرِقَّاءُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ يَصِيرُونَ أَحْرَارًا. (٥) مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ عُتِقَ كُلُّهُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>