مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَنَفْعٍ وَضُرٍّ، وَشُعُورِهِمْ فِيهِ بِالْحَاجَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَاللُّجُوءِ إِلَى دُعَائِهِ لِأَنْفُسِهِمْ وَعَلَيْهَا، وَاسْتِعْجَالِهِمُ الْأُمُورَ قَبْلَ أَوَانِهَا، وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ وَحُجَّةٌ عَلَى مَا يَأْتُونَ مِنْ شِرْكٍ، وَمَا يُنْكِرُونَ مِنْ أَمْرِ الْبَعْثِ، مُتَمَّمٌ لِمَا قَبْلَهُ وَلِذَلِكَ عَطَفَهُ عَلَيْهِ.
تَعْجِيلُ الشَّيْءِ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَوَانِهِ الْمَضْرُوبِ أَوِ الْمُقَدِّرِ لَهُ أَوِ الْمَوْعُودِ بِهِ، وَالِاسْتِعْجَالُ بِهِ طَلَبُ التَّعْجِيلِ، وَالْعَجَلُ مِنْ غَرَائِزِ الْإِنْسَانِ الْقَابِلَةِ لِلتَّأْدِيبِ وَالتَّثْقِيفِ، كَيْ لَا تَطْغَى بِهِ فَتُورِدَهُ الْمَوَارِدَ. قَالَ تَعَالَى: (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا) (١٧: ١١) وَقَالَ تَعَالَى: (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ) (٢١: ٣٧) فَأَمَّا اسْتِعْجَالُهُ بِالْخَيْرِ وَالْحَسَنَةِ فَلِشِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى مَنَافِعِهِ وَقِلَّةِ صَبْرِهِ عَنْهَا، وَأَمَّا اسْتِعْجَالُهُ بِالضُّرِّ وَالسَّيِّئَةِ فَلَا يَكُونُ لِذَاتِهِ، بَلْ لِسَبَبٍ عَارِضٍ كَالْغَضَبِ وَالْجَهْلِ وَالْعِنَادِ وَالِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّعْجِيزِ، وَقَلَّمَا يَكُونُ مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ إِلَّا لِلنَّجَاةِ مِمَّا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، كَمَا يَفْعَلُ الْيَائِسُونَ مِنَ الْحَيَاةِ، أَوِ النَّجَاةِ مِنْ ذُلٍّ وَخِزْيٍ أَوْ أَلَمٍ لَا يُطَاقُ، إِذْ يَتَقَحَّمُونَ الْمَهَالِكَ أَوْ يَبْخَعُونَ أَنْفُسَهُمُ انْتِحَارًا.
قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ الَّذِي يَسْتَعْجِلُونَهُ بِهِ، كَاسْتِعْجَالِ مُشْرِكِي مَكَّةَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعَذَابِ الَّذِي أَنْذَرَهُمْ نُزُولَهُ بِهِمْ إِجْمَالًا، بِمَا قَصَّهُ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ سُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي أَقْوَامِ الرُّسُلِ الْمُعَانِدِينَ وَهُوَ عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ وَفِيمَا دُونَهُ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا كَخِزْيِهِمْ وَالتَّنْكِيلِ بِهِمْ وَنَصْرِهِ عَلَيْهِمْ، أَوْ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَعَذَابِ الْآخِرَةِ. وَقَدْ حَكَى اللهُ تَعَالَى كُلَّ ذَلِكَ عَنْهُمْ كَقَوْلِهِ: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ) (١٣: ٦) الْآيَةَ (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً) (٢٩: ٥٣) وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (وَإِذْ قَالُوا اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (٨: ٣٢) وَقَالَ فِي السَّاعَةِ: (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ) (٤٢: ١٨) وَفِي الْعَذَابِ: (يَسْتَعْجِلُونَكَ
بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) (٢٩: ٥٤) وَكُلُّ هَذِهِ الضُّرُوبِ مِنَ الِاسْتِعْجَالِ كَانُوا يَقْصِدُونَ بِهَا تَعْجِيزَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَالَغَةً فِي التَّكْذِيبِ، وَاسْتِهْزَاءً بِالْوَعِيدِ، وَقَوْلُهُ: (اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ) مَعْنَاهُ كَاسْتِعْجَالِهِمْ بِالْخَيْرِ الَّذِي يَطْلُبُونَهُ لِذَاتِهِ بِدُعَاءِ اللهِ تَعَالَى أَوْ بِمُحَاوَلَةِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَظُنُّونَ أَنَّهَا قَدْ تَأْتِي بِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجْلُهُمْ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ الْجُمْلَةَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ لَقَضَى اللهُ إِلَيْهِمْ أَجْلَهُمْ، وَقَرَأَهَا الْجُمْهُورُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِلْعِلْمِ بِالْفَاعِلِ وَقَضَاءُ الْأَجَلِ إِلَيْهِمُ انْتِهَاؤُهُ إِلَيْهِمْ بِإِهْلَاكِهِمْ قَبْلَ وَقْتِهِ الطَّبِيعِيِّ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ وَاسْتَعْجَلُوهُمْ بِالْعَذَابِ مِنْ قَبْلِهِمْ. وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute