للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنِّسَائِيُّ

وَغَيْرُهُمَا عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ فَرَّ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فَرَكِبَ الْبَحْرَ فَأَصَابَتْهُمْ عَاصِفٌ فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ لِأَهْلِ السَّفِينَةِ: أَخْلِصُوا فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لَا تُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَئِنْ لَمْ يُنْجِنِي فِي الْبَحْرِ إِلَّا الْإِخْلَاصُ مَا يُنْجِينِي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ، اللهُمَّ إِنَّ لَكَ عَهْدًا إِنْ أَنْتَ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ آتِيَ مُحَمَّدًا حَتَّى أَضَعَ يَدِيَ فِي يَدِهِ فَلْأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا، قَالَ: فَجَاءَ فَأَسْلَمَ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عِكْرِمَةَ لَمَّا رَكِبَ السَّفِينَةَ وَأَخَذَتْهُمُ الرِّيحُ فَجَعَلُوا يَدْعُونَ اللهَ تَعَالَى وَيُوَحِّدُونَهُ قَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا مَكَانٌ لَا يَنْفَعُ فِيهِ إِلَّا اللهُ تَعَالَى، قَالَ: فَهَذَا إِلَهُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي يَدْعُونَا إِلَيْهِ فَارْجِعُوا بِنَا، فَرَجَعَ وَأَسْلَمَ، ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَخْصِيصَ الدُّعَاءِ فَقَطْ بِهِ سُبْحَانَهُ، بَلْ تَخْصِيصَ الْعِبَادَةِ بِهِ تَعَالَى أَيْضًا، لِأَنَّهُمْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ لَا يَكُونُونَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَدْعُونَ غَيْرَهُ تَعَالَى فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ النَّاسَ الْيَوْمَ إِذَا اعْتَرَاهُمْ أَمْرٌ خَطِيرٌ، وَخَطْبٌ جَسِيمٌ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ، دَعَوْا مَنْ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، وَلَا يَرَى وَلَا يَسْمَعُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَدْعُو الْخِضْرَ وَإِلْيَاسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُنَادِي أَبَا الْخَمِيسِ وَالْعَبَّاسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَغِيثُ بِأَحَدِ الْأَئِمَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَضْرَعُ إِلَى شَيْخٍ مِنْ مَشَايِخِ الْأُمَّةِ، وَلَا تَرَى فِيهِمْ أَحَدًا يَخُصُّ مَوْلَاهُ، بِتَضَرُّعِهِ وَدُعَاهُ، وَلَا يَكَادُ يَمُرُّ لَهُ بِبَالٍ، أَنَّهُ لَوْ دَعَا اللهَ تَعَالَى وَحْدَهُ يَنْجُو مِنْ هَاتِيكَ الْأَهْوَالِ، فَبِاللهِ تَعَالَى عَلَيْكَ قُلْ لِي أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ أَهْدَى سَبِيلًا، وَأَيُّ الدَّاعِيَيْنِ أَقُومُ قِيلًا! وَإِلَى اللهِ تَعَالَى الْمُشْتَكَى مِنْ زَمَانٍ عَصَفَتْ فِيهِ رِيحُ الْجَهَالَةِ وَتَلَاطَمَتْ أَمْوَاجُ الضَّلَالَةِ، وَخُرِّقَتْ سَفِينَةُ الشَّرِيعَةِ، وَاتُّخِذَتِ الِاسْتِغَاثَةُ بِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى لِلنَّجَاةِ ذَرِيعَةً، وَتَعَذَّرَ عَلَى الْعَارِفِينَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَحَالَتْ دُونَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ صُنُوفُ الْحُتُوفِ اهـ.

أَقُولُ - يَعْنِي الشِّهَابُ الْأَلُوسِيُّ رَحِمَهُ اللهُ - إِنَّ فُشُوَّ هَذَا الشِّرْكِ فِي النَّاسِ عَامَّتِهِمْ، وَشُيُوخِ الْبِدَعِ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، وَالْمُنَافِقِينَ مِنْ حُكَّامِهِمْ، جَعَلَ نَهْيَ الْعَارِفِينَ عَنْهُ، وَأَمْرَهُمْ بِالتَّوْحِيدِ الْمَحْضِ، مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَعَذِّرَةِ، الَّتِي يُخْشَى عَلَى الْمُجَاهِرِ بِهَا الْحُتُوفُ

وَالْهَلَكَةُ. وَنَحْنُ مَا أَمْكَنَنَا هَذِهِ الْمُجَاهَرَةُ فِي مِصْرَ إِلَّا بِمَا رَسَخَ فِيهَا مِنَ الْحُرِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ بِتَفَرْنُجِ الْحُكُومَةِ. وَلَمَّا جَهَرْتُ بِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فِي دَرْسٍ عَامٍّ بِالْمَسْجِدِ الْحُسَيْنِيِّ سَنَةَ ١٣١٦ هَاجَ عَلَيَّ النَّاسُ هَيْجَةً شُؤْمَى، وَحَاوَلَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقْتُلَنِي جَهْرًا، فَمَا يَقُولُ شَيْخُ الْأَزْهَرِ وَمُحَرِّرُو مَجَلَّةِ الْمَشْيَخَةِ (نُورِ الْإِسْلَامِ) فِي السَّيِّدِ الْأَلُوسِيِّ وَفِي السَّيِّدِ حَسَنِ صِدِّيقٍ؟ لَا يَبْعُدُ أَنْ تَطْعَنَ هَذِهِ الْمَجَلَّةُ فِي دِينِهِمَا وَعَقِيدَتِهِمَا كَمَا طَعَنَتْ عَلَى دِينِ الْإِمَامِ الشَّوْكَانِيِّ فِي جُزْئِهَا الَّذِي صَدَرَ أَثْنَاءَ كِتَابَتِنَا لِتَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>