(اهْتِدَاءُ بَارِجٍ إِنْكِلِيزِيٍّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَأَمْثَالِهَا)
سَاقَ اللهُ تَعَالَى نُسْخَةً مِنْ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ بِاللُّغَةِ الْإِنْكِلِيزِيَّةِ إِلَى بَارِجٍ مِنْ رَبَابِينِ الْبَوَاخِرِ الْكُبْرَى الَّتِي تَمْخُرُ الْبِحَارَ بَيْنَ إِنْكِلْتِرَةَ وَالْهِنْدِ، فَرَأَى فِيهَا تَرْجَمَةَ هَذِهِ الْآيَةِ فَرَاعَتْهُ بَلَاغَةُ وَصْفِهَا لِطُغْيَانِ الْبَحْرِ وَاصْطِخَابِهِ، وَمَا تَفْعَلُهُ الرِّيَاحُ الْمَوْسِمِيَّةُ الْعَاتِيَةُ بِالْبَوَاخِرِ وَالْبَوَارِجِ الْعَظِيمَةِ فِي الْمُحِيطِ الْهِنْدِيِّ فِي فَصْلِ الصَّيْفِ، فَطَفِقَ يَتَأَمَّلُ سَائِرَ الْآيَاتِ فِي وَصْفِ الْبَحْرِ، وَالسَّفَائِنِ الْكُبْرَى فِيهِ الَّتِي وُجِدَتْ فِي هَذَا الْعَصْرِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا نَظِيرٌ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَلَهُ الْجَوَارِي الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ) (٥٥: ١٩ - ٢٤) وَرَأَى أَنَّ الْمُتَرْجِمَ الْإِنْكِلِيزِيَّ يَنْقُلُ عَنْ أَشْهَرِ تَفَاسِيرِ الْقُرْآنِ لِبَعْضِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، الَّتِي أُلِّفَتْ بَعْدَ افْتِتَاحِ الْعَرَبِ لِلْمَمَالِكِ وَاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى الْبِحَارِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرَفُونَ مَا عَرَفَهُ الْإِنْكِلِيزُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ، أَنَّ اللُّؤْلُؤَ وَالْمَرْجَانَ يَخْرُجُ مِنَ الْبِحَارِ الْحُلْوَةِ كَمَا يَخْرُجُ مِنَ الْبِحَارِ الْمَالِحَةِ، فَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) بِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ مُجْتَمَعِهِمَا الصَّادِقِ بِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ بِزَعْمِهِمْ يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ الْمِلْحُ فَقَطْ، غَافِلِينَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا) (٣٥: ١٢) وَنَبَّهَ نَظَرَهُ تَشْبِيهُ الْجَوَارِي الْمُنْشَآتِ بِالْأَعْلَامِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ) (٤٢: ٣٢، ٣٣) وَالْعَلَمُ الْجَبَلُ، وَأَصْلُهَا أَعْلَامُ الطَّرِيقِ الْعَالِيَةُ الَّتِي تُعْرَفُ بِهَا الْمَسَالِكُ، أَطَالَ الْفِكْرَ هَذَا
الرُّبَّانُ الْإِنْكِلِيزِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ فَتَعَمَّدَ أَنْ يَعْرِفَ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ فِي بَعْضِ ثُغُورِ الْهِنْدِ، فَسَأَلَهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ نَبِيَّكُمْ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَافَرَ فِي الْبِحَارِ؟ قَالُوا: لَا إِنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَنَّهُ سَافَرَ فِي الْبَحْرِ قَطُّ، فَاعْتَقَدَ أَنَّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِهَذَا النَّبِيِّ الْعَظِيمِ، وَأَعْظَمُ مِنْهُ مَا فِيهِ مِنْ آيَاتِ التَّوْحِيدِ وَالتَّشْرِيعِ وَالتَّهْذِيبِ، الَّتِي هِيَ أَكْمَلُ وَأَقْرَبُ إِلَى الْعَقْلِ وَالْفِكْرَةِ مِنْ كُلِّ مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَأَسْلَمَ عَنْ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، وَظَلَّ زَمَنًا طَوِيلًا يَتَعَبَّدُ بِمَا يَفْهَمُهُ مِنْ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ، حَتَّى أُتِيحَ لَهُ تَرْكُ عَمَلِهِ فِي الْبِحَارِ فَأَقَامَ فِي مِصْرَ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ وَعَاشَرَ فُضَلَاءَ الْمِصْرِيِّينَ، وَهُوَ مِسْتَرْ عَبْدُ اللهِ بِرَاوِنْ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَأَنَا قَدْ أَدْرَكْتُهُ وَعَرَفْتُهُ، وَلَا يَزَالُ فِي مِصْرَ مَنْ يَعْرِفُهُ وَقَدْ ضَرَبَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ بِهِ الْمَثَلَ فِي صَلَاتِهِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا فِي الْبَحْرِ بِقَدْرِ مَا يَفْهَمُ مِنَ الْقُرْآنِ بِكُلِّ خُشُوعٍ وَتَوَجُّهٍ إِلَى اللهِ تَعَالَى، فِي كَلَامٍ لَهُ فِي رُوحِ الصَّلَاةِ وَمَغْزَاهَا، وَصُورَتِهَا وَأَرْكَانِهَا، قَالَ: قَدْ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ أَقْرَبَ إِلَى مَرْضَاةِ اللهِ تَعَالَى وَقَبُولِهِ مِنَ الصَّلَاةِ الصُّورِيَّةِ التَّقْلِيدِيَّةِ، الَّتِي يُمَثِّلُهَا مَنْ لَا يَخْطُرُ فِي قُلُوبِهِمْ فِيهَا أَنَّهُمْ مُتَوَجِّهُونَ إِلَى اللهِ وَمُنَاجُونَ لَهُ، مَعَ اسْتِشْعَارِ عَظَمَتِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ إِلَخْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute