فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ)) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ وَابْنُ النَّجَّارِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا: ((احْذَرُوا الْبَغْيَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عُقُوبَةٍ هِيَ أَحْضُرُ مِنْ عُقُوبَةِ الْبَغْيِ)) ! ! وَالتِّرْمِذِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ: ((أَسْرَعُ الْخَيْرِ ثَوَابًا الْبِرُّ وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَأَسْرَعُ الشَّرِّ عُقُوبَةً الْبَغْيُ وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ)) وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا: ((لَوْ بَغَى جَبَلٌ عَلَى جَبَلٍ لَدُكَّ الْبَاغِي)) وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِزِيَادَةِ: ((لَدُكَّ الْبَاغِي مِنْهُمَا)) أَخْرَجَهُ ابْنٌ لَالٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ وَالدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((ثَلَاثٌ هُنَّ رَوَاجِعُ عَلَى أَهْلِهَا. الْمَكْرُ وَالنَّكْثُ وَالْبَغْيُ)) ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ) (١٠: ٢٣) ، (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) (٣٥: ٤٣) ، (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) (٤٨: ١٠) وَالْمُرَادُ نَكْثُ الْعُهُودِ مَعَ اللهِ أَوْ مَعَ النَّاسِ.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ أَبِي بَكَرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لَا تَبْغِ وَلَا تَكُنْ بَاغِيًا)) فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ: (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ) وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِثْلَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَأَقُولُ: إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَرْجِعَ فِي تَحْقِيقِ الْحَقِّ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ، إِلَى سُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي الْعُمْرَانِ وَطَبَائِعِ الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ الَّتِي تُثْبِتُهَا وَقَائِعُ التَّارِيخِ، فَهِي الَّتِي تُفَسِّرُ لَنَا أَنَّ الْبَغْيَ - وَهُوَ مِنْ أَخَصِّ ضُرُوبِ الظُّلْمِ لِلنَّاسِ - يَرْجِعُ عَلَى فَاعِلِهِ، ذَلِكَ بِأَنَّهُ سَبَبٌ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ، وَإِيقَادِ نِيرَانِ الْفِتَنِ وَالثَّوْرَاتِ فِي الْأَقْوَامِ، فَالْفَرْدُ الَّذِي يَبْغِي عَلَى مِثْلِهِ يَخْلُقُ لَهُ بَغْيُهُ عَدُوًّا أَوْ أَعْدَاءً مِمَّنْ يَبْغِي عَلَيْهِمْ، وَمِمَّنْ يَكْرَهُونَ الْبَغْيَ وَأَهْلَهُ، فَوُجُودُ الْأَعْدَاءِ وَالْمُبْغِضِينَ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ الْعُقُوبَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا إِيذَاءَ الْبَاغِي لِعَجْزِهِمْ، فَكَيْفَ إِذَا قَدَرُوا وَفَعَلُوا وَهُوَ الْغَالِبُ؟ وَأَمَّا بَغْيُ الْمُلُوكِ وَالْحُكَّامِ عَلَى الْأَقْوَامِ وَالشُّعُوبِ فَأَهْوَنُ عَاقِبَتِهِ عَدَاوَتُهُمْ وَالطَّعْنُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ تُفْضِي إِلَى اغْتِيَالِ أَشْخَاصِهِمْ، أَوْ إِلَى ثَلِّ عُرُوشِهِمْ وَالْقَضَاءِ عَلَى حُكْمِهِمْ، إِمَّا بِثَوْرَةٍ مِنَ الشَّعْبِ تَسْتَبْدِلُ بِهَا عَرْشًا بِعَرْشٍ، أَوْ نَوْعًا مِنَ الْحُكْمِ بِنَوْعٍ آخَرَ، وَإِمَّا بِإِغَارَةِ دَوْلَةٍ قَوِيَّةٍ عَلَى الدَّوْلَةِ الَّتِي يُضْعِفُهَا الْبَغْيُ تَسْلُبُهَا اسْتِقْلَالَهَا، وَتَسْتَوْلِي عَلَى بِلَادِهَا، وَلَا تَنْسَ مَا تَكَرَّرَ عَلَيْكَ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ مِنْ أَنَّ ذُنُوبَ الْأَفْرَادِ مِنْ بَغْيٍ وَظُلْمٍ وَغَيْرِهِمَا لَا يَطَّرِدُ الْعِقَابُ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا بِخِلَافِ ذُنُوبِ الْأُمَمِ
وَالدُّوَلِ، فَإِنَّ عِقَابَهَا أَثَرٌ طَبِيعِيٌّ لِظُلْمِهَا وَفَسَادِهَا، وَإِنَّمَا يُوَفَّى كُلُّ أَحَدٍ جَزَاءَهُ فِي الْآخِرَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute