للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْآيَةَ، وَفِي الَّتِي بَعْدَهَا: (ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (٢: ٢٣٢) وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الرِّبَا وَالْأَمْرِ بِطَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَالتَّرْغِيبِ فِي الْإِنْفَاقِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَكَظْمِ الْغَيْظِ وَالْعَفْوِ عَنِ النَّاسِ، وَمَا أَعَدَّهُ اللهُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْجَزَاءِ (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (٣: ١٣٧ و١٣٨) وَيَلِيهِ الْكَلَامُ فِي الْجِهَادِ وَغَزْوَةِ أُحُدٍ، وَفِي سُورَةِ

النِّسَاءِ: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) (٤: ٥٨) الْآيَةَ، وَتَقَدَّمَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْوَعْظِ وَسَيَأْتِي غَيْرُهُ مِمَّا يُفَسِّرُ مُرَادَهُ تَعَالَى مِنْ مَوْعِظَتِهِ الرَّبَّانِيَّةِ، فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَتَمَارَى عَاقِلَانِ فِي حُسْنِهَا وَمَنْفَعَتِهَا لِلْعِبَادِ فِي أَعْمَالِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ؟ كَلَّا إِنَّهَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صَلَاحُ الْعِبَادِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ.

(الثَّانِيَةُ: شِفَاءُ مَا فِي الصُّدُورِ) أَيْ شِفَاءُ جَمِيعِ مَا فِي الْقُلُوبِ مِنْ أَدْوَاءِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، وَسَائِرِ الْأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ الَّتِي يَشْعُرُ صَاحِبُهَا ذُو الضَّمِيرِ الْحَيِّ بِضِيقِ الصَّدْرِ، مِنْ شَكٍّ فِي الْإِيمَانِ، وَمُخَالَفَةٍ لِلْوِجْدَانِ، وَإِضْمَارٍ لِلْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ، وَحُبٍّ لِلْبَاطِلِ وَالظُّلْمِ وَالشَّرِّ، وَبُغْضٍ لِلْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالْخَيْرِ.

قَالَ الرَّاغِبُ: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ حَيْثُمَا ذَكَرَ اللهُ الْقَلْبَ فَإِشَارَةٌ إِلَى الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ نَحْوُ: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ) (٥٠: ٣٧) وَحَيْثُمَا ذَكَرَ الصَّدْرَ فَإِشَارَةٌ إِلَى ذَلِكَ وَإِلَى سَائِرِ الْقُوَى مِنَ الشَّهْوَةِ وَالْهَوَى وَالْغَضَبِ وَنَحْوِهَا، وَقَوْلُهُ: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) (٢٠: ٢٥) فَسُؤَالُ الْإِصْلَاحِ قَوَّاهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) (٩: ١٤) إِشَارَةٌ إِلَى اشْتِفَائِهِمْ. وَقَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٢٢: ٤٦) أَيِ الْعُقُولُ الَّتِي هِيَ مُنْدَسَّةٌ فِيمَا بَيْنَ سَائِرِ الْقُوَى وَلَيْسَتْ مُهْتَدِيَةً وَاللهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الصَّدْرَ يُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى الْقَلْبِ الْحِسِّيِّ الَّذِي فِيهِ وَعِلَاقَتُهُ ظَاهِرَةٌ، وَعَلَى الْقَلْبِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي هُوَ لِلنَّفْسِ كَالْقَلْبِ الْحِسِّيِّ لِلْبَدَنِ لِأَنَّهُ لُبُّهَا، وَمَرْكَزُ شُعُورِ مَدَارِكِهَا وَانْفِعَالَاتِهَا، دُونَ الدِّمَاغِ فَإِنَّ النَّفْسَ لَا تَشْعُرُ بِمَا يَنْطَبِعُ فِيهِ مِنَ الْمُدْرَكَاتِ مِنَ انْشِرَاحٍ وَبَسْطٍ وَحَرَجٍ وَضِيقٍ وَقَبْضٍ، فَجَمِيعُ الْإِدْرَاكَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْوِجْدَانِيَّةِ تُوصَفُ بِهَا الْقُلُوبُ حَقِيقَةً وَالصُّدُورُ مَجَازًا، وَتَكُونُ فَاعِلَةً وَمُفَعْوِلَةً وَصَفَاتٍ لِلْأَفْعَالِ الْعَامِلَةِ فِيهِمَا، وَأَمَّا الْعَقْلُ فِي اللُّغَةِ فَهُوَ الْحَكَمُ الصَّحِيحُ فِي بَعْضِ الْإِدْرَاكَاتِ وَلَوَازِمِهَا مِنْ حُسْنٍ وَقُبْحٍ وَصَلَاحٍ وَفَسَادٍ، وَنَفْعٍ وَضُرٍّ، وَمَرْكَزُهُ الدِّمَاغُ قَطْعًا، فَأَمْرَاضُ الصُّدُورِ وَالْقُلُوبِ تَشْمَلُ الْجَهْلَ وَسُوءَ الظَّنِّ، وَالشَّكَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>