للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَهِيَ لَا تَعْبُدُ إِلَّا اللهَ، وَلَا تُؤْمِنُ بِوَحْيٍ وَلَا نُبُوَّةٍ لِأَحَدٍ بَعْدَ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَلَا بِتَشْرِيعٍ دِينِيٍّ إِلَّا مَا جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ، وَلَا بِوِلَايَةٍ إِلَّا مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ اللهِ، وَقَدْ صَارَ الْمُعْتَصِمُونَ بِهَذَا فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْبِلَادِ، الَّتِي انْتَشَرَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَسَادُ، جَمَاعَاتٍ قَلِيلَةَ الْأَفْرَادِ، فَإِنْ لَمْ يَنْصُرْهَا اللهُ ضَاعَ فِيهَا الْإِسْلَامُ.

(اسْتِطْرَادٌ، فِي أَصْلِ الْإِسْلَامِ، وَمَا طَرَأَ عَلَيْهِ مِنَ الْفَسَادِ)

(مِنْ طَرِيقِ السِّيَاسَةِ وَالْفَلْسَفَةِ وَالتَّصَوُّفِ)

أَيُّهَا الْقَارِئُ لِهَذَا التَّفْسِيرِ، قَدْ آنَ أَنْ أُصَارِحَكَ بِمَسَائِلَ مُخْتَصَرَةٍ هِيَ ثَمَرَةُ عِلْمٍ وَعَمَلٍ وَعِبَادَةٍ وَرِيَاضَةٍ وَتَصَوُّفٍ وَتَعْلِيمٍ وَتَصْنِيفٍ وَمُنَاظَرَاتٍ وَمُحَاجَّةٍ فِي مُدَّةِ نِصْفِ قَرْنٍ كَامِلٍ، لَمْ يَشْغَلْنِي عَنْهَا مِنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا شَاغِلٌ، وَإِنَّهَا لَكَلِمَاتٌ فِي حَقِيقَةِ دِينِ اللهِ وَعُلَمَائِهِ وَعِبَادِهِ صَادِرَةٌ عَنْ بَصِيرَةٍ وَتَجْرِبَةٍ، فَتَأَمَّلْهَا بِإِخْلَاصٍ وَاسْتِقْلَالِ فِكْرٍ، وَلَا يَصُدَنَّكَ عَنِ النَّظَرِ فِيهَا لِذَاتِهَا وَالِاعْتِمَادِ فِي ثُبُوتِهَا عَلَى مَصَادِرِهَا، حِرْمَانُ الْمُعَاصِرَةِ، وَاحْتِقَارُ الْأَحْيَاءِ، وَتَقْدِيسُ شُهْرَةِ الْأَمْوَاتِ، وَاتِّهَامُ قَائِلِهَا بِالْغُرُورِ وَالدَّعْوَى، فَإِنْ عَرَضَ لَكَ رَيْبٌ أَوْ شُبْهَةٌ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَارْجِعْ إِلَى مَصَادِرِهَا وَدَلَائِلِهَا، أَوِ ارْجِعْ إِلَى كَاتِبِهَا فَاسْأَلْهُ عَنْهَا، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ غَرَضَكَ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ لِذَاتِهِ، دُونَ التَّعَصُّبِ وَالْجَدَلِ، أَوِ التَّحَرُّفِ لِمَذْهَبٍ أَوِ التَّحَيُّزِ إِلَى فِئَةٍ.

(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنَّ هَذَا الدِّينَ (الْإِسْلَامَ) وَحْيٌ إِلَهِيٌّ إِلَى نَبِيٍّ أُمِّيٍّ ظَهَرَ فِي أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ جَاهِلِيَّةٍ ; لِيُعَلِّمَهَا الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَيُزَكِّيَهَا بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ وَالْفَضِيلَةِ، فَيَجْعَلَهَا بِهِ مُعَلِّمَةً وَهَادِيَةً لِجَمِيعِ شُعُوبِ التَّعْطِيلِ وَالْأَدْيَانِ وَالْفَلْسَفَةِ وَالْحَضَارَةِ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ شَهِدَ فِي كِتَابِهِ بِأَنَّهُ أَكْمَلَ هَذَا الدِّينَ لِعِبَادِهِ فِي آخِرِ عُمْرِ نَبِيِّهِ، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ بَعْدَهُ عَقِيدَةً وَلَا عِبَادَةً وَلَا تَحْرِيمًا دِينِيًّا مُطْلَقًا، وَلَا تَشْرِيعًا مَدَنِيًّا، إِلَّا مَا أَذِنَ بِهِ لِأُولِي الْأَمْرِ مِنَ الِاجْتِهَادِ عَلَى أَسَاسِ نُصُوصِهِ وَقَوَاعِدِهِ، فَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ وَأَفْقَهَهُمْ بِهِ وَأَصَّحَهُمْ دَعْوَةً إِلَيْهِ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَالْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، أُولَئِكَ الْأُمِّيُّونَ الَّذِينَ تَلَقَّوْهُ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَهُمْ خُلَفَاؤُهُ وَأَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - فَهَذِهِ إِحْدَى مُعْجِزَاتِهِ إِذْ لَوْ كَانَ هَذَا الدِّينُ وَضْعًا بَشَرِيًّا لَكَانَ كَسَائِرِ الْعُلُومِ وَالْأَعْمَالِ الْبَشَرِيَّةِ الَّتِي تَظْهَرُ مَبَادِئُهَا الْأُولَى نَاقِصَةً ثُمَّ تَنْمَى (وَفِي لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ اشْتُهِرَتْ تَنْمُو) وَتَتَكَامَلُ بِالتَّدْرِيجِ، فَهَذِهِ سُنَّةٌ مِنَ السُّنَنِ الْمُطَّرِدَةِ فِي عُلُومِ الْبَشَرِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مِنَ الْبَرَاهِينِ الْعِلْمِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِالشَّوَاهِدِ الْعَمَلِيَّةِ، عَلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى، أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدِ اهْتَدَوْا بِإِرْشَادِهِ إِلَى الْبَحْثِ وَالنَّظَرِ فِي جَمِيعِ أُمُورِ الْعَالَمِ السَّمَاوِيِّ وَالْأَرْضِيِّ، وَلَا سِيَّمَا نَوْعِ الْإِنْسَانِ وَعُلُومِهِ وَفَلْسَفَتِهِ وَأَدْيَانِهِ وَنُظُمِهِ وَتَشْرِيعِهِ وَآدَابِ شُعُوبِهِ فَازْدَادُوا بِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ عِلْمًا بِحَقِّيَّةِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَظَهَرَ لِلرَّاسِخِينَ فِي عِلْمِهِ أَنَّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أُولَئِكَ الْأُمِّيُّونَ الْأَوَّلُونَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ هُوَ الْحَقُّ، وَأَنَّ كُلَّ مَا خَالَفَ نُصُوصَهُ الْقَطْعِيَّةَ مِنَ الْعَقَائِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>