للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِلشَّيْخِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الشَّعَرَانِيِّ كِتَابٌ صَغِيرٌ سَمَّاهُ (الْأَنْوَارَ الْمُقَدَّسَةَ، فِي بَيَانِ آدَابِ الْعُبُودِيَّةِ) مَطْبُوعٌ مَعَ كِتَابِهِ الطَّبَقَاتِ، ذَكَرَ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ سَمِعَ وَهُوَ فِي حَالَةٍ بَيْنِ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ هَاتِفًا يَسْمَعُ صَوْتَهُ وَلَا يَرَى شَخْصَهُ يَقُولُ لَهُ عَلَى لِسَانِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَلَامًا ذَكَرَهُ قَالَ: ((فَمَا اسْتَتَمَّ هَذَا الْكَلَامُ وَبَقِيَ عِنْدِي شَهْوَةُ نَفْسٍ لِمَقَامٍ مِنْ مَقَامِ الْأَوْلِيَاءِ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى مُرَادِهِمْ بِالْهَاتِفِ وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ: ((خَوْفًا أَنْ يَتَوَهَّمَ أَحَدٌ مِنَ الْقَاصِرِينَ الَّذِينَ لَا مَعْرِفَةَ عِنْدِهِمْ بِمَرَاتِبِ الْوَحْيِ أَنَّ ذَلِكَ وَحَيٌّ كَوَحْيِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَأَقُولُ: ((اعْلَمْ أَنَّ الْهَاتِفَ الْمَذْكُورَ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَلَكًا أَوْ وَلِيًّا أَوْ مِنْ صَالِحِي الْجِنِّ أَوْ هُوَ الْخِضْرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْخِضْرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيٌّ بَاقٍ لَمْ يَمُتْ، وَقَدِ اجْتَمَعْنَا بِمَنِ اجْتَمَعَ بِهِ وَبِالْمَهْدِيِّ وَأَخَذَ عَنْهُمَا طَرِيقَ الْقَوْمِ إِلَخْ.

ثُمَّ إِنَّهُ جَعَلَ الْوَحْيَ أَقْسَامًا وَضُرُوبًا كَثِيرَةً وَذَكَرَ مِنْهَا الْكَهَانَةَ وَالزَّجْرَ - أَيْ وَهُوَ أَسْفَلَهَا - وَوَحْيَ التَّشْرِيعِ الدِّينِيِّ الْخَاصَّ بِالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَمَا بَيْنَهُمَا.

ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَرَاءِ مِنَ الْإِخْوَانِ سَأَلَهُ أَنْ يُمْلِيَ عَلَيَّ إِلْقَاءَ الْهَاتِفِ الَّذِي سَمِعَهُ جُمْلَةً

مِمَّا فَهِمَهُ مِنْ آدَابِ الْعُبُودِيَّةِ وَآدَابِ طَلَبِ الْعِلْمِ وَآدَابِ الْفُقَرَاءِ عُمُومًا وَخُصُوصًا ((وَمَا يَدْخُلُ عَلَى كُلِّ طَائِفَةٍ مِنَ الدَّسَائِسِ فِي مَقَاصِدِهِمْ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ وَلَا يَنْجُو مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيلُ مِنْ عِبَادِ اللهِ)) وَهَذَا مَحَلُّ الشَّاهِدِ.

وَأَقُولُ: إِنَّ هَاتِفَهُ الَّذِي جَعَلَهُ الْأَصْلَ لِهَذَا التَّأْلِيفِ هُوَ مِنْ دَسَائِسِ الشَّيْطَانِ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِلشَّرْعِ الْمَعْصُومِ، بَلْ فِي هَذَا الْكِتَابِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لَهُ وَكَذَا كِتَابِهِ الطَّبَقَاتِ فَهِيَ مَنْ أَشَدِّ الْكُتُبِ إِفْسَادًا لِلدِّينِ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَآدَابِهِ بِمَا فِيهَا مِنْ وَحْيِ الشَّيَاطِينِ، فَقَدْ أَصْبَحَ الْمَلَايِينُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُشْرِكِينَ بِاللهِ تَعَالَى بِعِبَادَةِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُسَمُّونَهُمُ الْأَوْلِيَاءَ وَقَبُولِ مَا نُقِلَ عَنْهُمْ مِنْ وَحْيِ الشَّيَاطِينِ، وَهُمْ يَتَّبِعُونَ الدَّجَّالِينَ وَمُدَّعِي عِلْمِ الْغَيْبِ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ بِالْكَرَامَاتِ أَوِ اسْتِخْدَامِ الْجِنِّ، وَهَؤُلَاءِ الدَّجَّالُونَ يَسْلُبُونَ أَمْوَالَهُمْ، وَيَهْتِكُونَ أَعْرَاضَهُمْ، وَفِي نَصِّ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى أَنَّ الْجِنَّ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ، وَأَصْبَحَ فَرِيقٌ آخَرُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ تَلَقَّوُا الْعُلُومَ الْعَصْرِيَّةَ وَتَرَبَّوْا تَرْبِيَةً اسْتِقْلَالِيَّةً، يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينٌ خُرَافِيٌّ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَدْيَانِ.

عَلَى أَنَّ مِنْ دُعَاةِ الْأَدْيَانِ وَالنِّحَلِ الْجَدِيدَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنَ التَّصَوُّفِ مَنْ أَلْبَسُوا دَعَايَتَهُمْ ثَوْبَ الْمَدَنِيَّةِ الْعَصْرِيَّةِ، وَهُمْ يَبُثُّونَهَا فِي بِلَادِ الْإِفْرِنْجِ كَالْبَهَائِيَّةِ وَالْقَادَيَانِيَّةِ الْأَحْمَدِيَّةِ، وَكُلُّ خِلَابَتِهِمْ مُسْتَمَدَّةٌ مِنْ تَأْوِيلَاتِ الصُّوفِيَّةِ الَّذِينَ ادَّعَوُا الْوَحْيَ وَادَّعَوُا الْأُلُوهِيَّةَ مِنْ طَرِيقِ وَحْدَةِ الْوُجُودِ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.

وَالْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ قَدْ جَعَلَهَا اللهُ وَسَطَا بَيْنَ الْغَالِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ، مِنَ الْمُعَطَّلِينَ وَالْمُشْرِكِينَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>