كَمَا ثَبَتَ بُطْلَانُ مِثْلِهَا مِنْ مُسَلَّمَاتِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ إِلَى السِّنِينَ الْأَخِيرَةِ مِنْ هَذَا الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ الْمِيلَادِيِّ، الَّتِي تَرَجَّحَ فِيهَا أَنَّ كُلَّ مَا عُرِفَ فِي هَذَا الْكَوْنِ مِنْ مَظَاهِرِ الْمَادَّةِ وَالْقُوَّةِ هُوَ مَظْهَرٌ لِتَرْكِيبٍ خَاصٍّ مَجْهُولٍ لِجُزْئَيِ الْكَهْرَبَاءِ الْإِيجَابِيِّ وَالسَّلْبِيِّ، الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِكَلِمَتَيِ (الْبُرُوتُونِ وَالْإِلِكْتِرُونِ) فَبَطَلَتْ بِهَذَا جَمِيعُ النَّظَرِيَّاتِ الْعِلْمِيَّةِ فِي الْمَادَّةِ وَالْقُوَّةِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ إِذَنْ تَأْوِيلُ نَصٍّ دِينِيٍّ قَطْعِيِّ الرِّوَايَةِ وَالدَّلَالَةِ فِي خَبَرٍ عَنْ عَالَمِ الْغَيْبِ مِنَ الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ، لِنَظَرِيَّةٍ ظَنِّيَّةٍ فِي عَالَمِ الشَّهَادَةِ مِنَ الرَّأْيِ الْبَشَرِيِّ؟ .
وَإِذَا بَطَلَ تَأْوِيلُ عُلَمَاءِ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمَبْنِيِّ عَلَى قَوَاعِدِ النَّظَرِ الْعَقْلِيِّ وَمُرَاعَاةِ مَدْلُولَاتِ اللُّغَةِ، وَاشْتِرَاطِ عَدَمِ الْمُخَالَفَةِ لِأَصْلٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ، وَبَطَلَ تَأْوِيلُ الْمُعَاصِرِينَ لِمَا يُخَالِفُ الْعُلُومَ الْعَصْرِيَّةَ، فَأَجْدَرُ بِتَأْوِيلَاتِ الْبَاطِنِيَّةِ أَنْ تَكُونَ أَشَدَّ بُطْلَانًا لِأَنَّهَا تَحْكُمُ فِي اللُّغَةِ بِمَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مُفْرَدَاتُهَا، وَلَا قَوَاعِدُ نَحْوِهَا وَبَيَانِهَا، وَنَاقِضَةٌ لِأُصُولِ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِهِ الْقَطْعِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِالْإِجْمَاعِ الْمُتَوَاتِرِ، وَالْعَمَلِ الَّذِي لَا مَجَالَ لِلتَّأْوِيلِ وَلَا لِلتَّحْرِيفِ فِيهِ، كَتَأْوِيلِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ الْقَرَامِطَةِ السَّابِقَيْنِ، وَالْبَهَائِيَّةِ وَالْقَادَيَانِيَّةِ اللَّاحِقَيْنِ، الْبَهَائِيَّةِ الَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى أُلُوهِيَّةِ الْبَهَاءِ، وَالْقَادَيَانِيَّةِ الَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى نُبُوَّةِ مِيرْزَا غُلَامِ أَحْمَدَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَدِلُّ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مُخَالِفًا لِلُغَتِهِمَا عَلَى دِينِهِ الْجَدِيدِ الَّذِي غَايَتُهُ أَنْ يَتْبَعَهُ النَّاسُ وَيُقَدِّسُوهُ.
بُطْلَانُ الْأَخْذِ بِالْكَشْفِ فِي الدِّينِ:
وَأَمَّا الْكَشْفُ فَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ إِدْرَاكِ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ غَيْرُ ثَابِتٍ وَلَا مُطَّرِدٌ، فَلَيْسَ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَلَا شَرْعِيٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ إِدْرَاكَاتٌ نَاقِصَةٌ تُخْطِئُ وَتُصِيبُ، وَقَدْ عُرِفَتْ أَسْبَابُهُ الطَّبِيعِيَّةُ وَأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ فِطْرِيٌّ، وَمِنْهَا مَا هُوَ كَسْبِيٌّ وَصِنَاعِيٌّ، كَالتَّنْوِيمِ الْمِغْنَاطِيسِيِّ الْمَعْرُوفِ فِي هَذَا الْعَصْرِ، وَمَا يُسَمُّونَهُ قِرَاءَةَ الْأَفْكَارِ وَمُرَاسَلَةَ الْأَفْكَارِ، وَيُشَبِّهُونَهُ بِنَقْلِ الْأَخْبَارِ بِخُطُوطِ الْأَسْلَاكِ الْكَهْرَبَائِيَّةِ وَبِدُونِهَا، وَهُوَ يَقَعُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَيَعْتَرِفُ بِهِ صُوفِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ لِصُوفِيَّةِ الْهِنْدُوسِ وَغَيْرِهِمْ، كَمَا يَعْتَرِفُونَ بِتَلْبِيسِ الشَّيَاطِينِ عَلَيْهِمْ فِيهِ، وَقِلَّةٌ مَنْ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْكَشْفِ الشَّيْطَانِيِّ وَالْكَشْفِ الْحَقِيقِيِّ مِنْهُمْ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى حَقِيقِيًّا إِلَّا مَا وَافَقَ نَصًّا قَطْعِيًّا.
وَمِنْ دَلَائِلِ الْخَطَأِ وَالتَّلْبِيسِ وَالتَّخَيُّلَاتِ فِي الْكَشْفِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ النُّورَانِيَّ تَعَارُضُ أَهْلِهِ وَتَنَاقُضُهُمْ فِيهِ، وَمَا يَذْكُرُونَهُ فِيهِ مِنْ مَعْلُومَاتِهِمُ الْمُخْتَلِفَةِ بِاخْتِلَافِ مَعْلُومَاتِهِمُ الْفَنِّيَّةِ وَالْخُرَافِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، فَتَرَى بَعْضَهُمْ يَذْكُرُ فِي كَشْفِهِ جَبَلَ قَافٍ الْمُحِيطَ بِالْأَرْضِ وَالْحَيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِهِ كَمَا تَرَاهُ فِي تَرْجَمَةِ الشَّعَرَانِيِّ لِلشَّيْخِ أَبِي مَدْيَنَ وَهُوَ مِنَ الْخُرَافَاتِ الَّتِي لَا حَقِيقَةَ لَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَذْكُرُ فِي كَشْفِهِ الْأَفْلَاكَ وَكَوَاكِبَهَا عَلَى الطَّرِيقَةِ الْيُونَانِيَّةِ الْبَاطِلَةِ أَيْضًا. وَأَكْثَرُهُمْ يَذْكُرُونَ فِي كَشْفِهِمُ الْأَحَادِيثَ الْمَوْضُوعَةَ، فَإِنِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى الْمَفْتُونِينَ بِكَشْفِهِمْ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute