للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالسَّلَامُ)) ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَسُلُّ السَّيْفَ فَيَهْرُبُ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَتَجَرَّأْ أَحَدٌ عَلَى دُخُولِهِ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ وَيَزْعُمُ الشَّعَرَانِيُّ أَنَّ هَذَا الْوَلِيَّ الشَّيْطَانِيَّ نَفْسَهُ قَدْ خَطَبَ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ يَوْمَئِذٍ فِي

ثَلَاثِينَ مَسْجِدًا مِنْ مَسَاجِدِ الْقُطْرِ الْمِصْرِيِّ، بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِمْ أَنَّ الْوَلِيَّ قَدْ يَتَمَثَّلُ بِالصُّوَرِ الْكَثِيرَةِ فِي الْأَمْكِنَةِ الْمُخْتَلِفَةِ، كَالشَّيَاطِينِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا.

وَمِثْلُهُ ذَلِكَ الْوَلِيُّ الَّذِي كَانَ يُعَارِضُ الْقُرْآنَ بِالْهَذَيَانِ، وَالْوَلِيُّ الَّذِي كَانَ يَسْكُنُ فِي مَاخُورِ الْمُومِسَاتِ ; لِيَشْفَعَ لِكُلِّ مَنْ يَأْتِيهِنَّ عِنْدَ اللهِ وَيُمْسِكُهُ عِنْدَهُنَّ إِلَى أَنْ يُخْبِرَهُ كَشْفُهُ الشَّيْطَانِيَّ بِقَبُولِ شَفَاعَتِهِ فِيهِ وَمَغْفِرَةِ اللهِ لَهُ. وَكَانَ مِنْ كَرَامَاتِهِ إِتْيَانُ الْأَتَانِ - فَهَذَا الْكُفْرُ وَالشِّرْكُ وَالْإِلْحَادُ وَمُعَارَضَةُ الْقُرْآنِ، وَاجْتِرَاحُ كَبَائِرِ الْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ، كُلُّهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَمْثَالِهِ مِنْ كَرَامَاتِ أَوْلِيَاءِ اللهِ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَيُطِيعُ أَمْرَهُمْ رَضْوَانُ خَازِنُ الْجِنَانِ، وَمَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ، كَمَا نَقَلَهُ الشَّعَرَانِيُّ عَنِ الدُّسُوقِيِّ، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، وَقَدْ رَسَخَتْ هَذِهِ الْخُرَافَاتُ فِي قُلُوبِ الْمَلَايِينِ مِنْ مُسْلِمِي مِصْرَ وَأَمْثَالِهَا مِنَ الْأَقْطَارِ، فَهُمْ يَعْتَمِدُونَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَوْلِيَاءِ فِي أُمُورِ دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ.

وَإِنَّكَ لِتَجِدُ أَكْثَرَهُمْ يَحْتَجُّ عَلَى ذَلِكَ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا هَذَا الْبَيَانَ فِي صَدَدِ تَفْسِيرِهَا وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٣٩: ٣٤، ٤٢: ٢٢) فَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لِهَؤُلَاءِ الْأَوْلِيَاءِ الْخَيَالِيِّينَ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى يُعْطِيهِمْ كُلَّ مَا أَرَادُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَلِغَيْرِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا يَزْعُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ مِنْهُمْ أَقْطَابًا مُتَصَرِّفِينَ (أَوْ مُدْرِكِينَ) بِالْكَوْنِ كُلِّهِ، وَهَذَا افْتِرَاءٌ عَلَى اللهِ وَتَحْرِيفٌ لِكِتَابِهِ الْعَزِيزِ بِمَا هُوَ شِرْكٌ بِهِ سُبْحَانَهُ، وَإِنَّمَا وَرَدَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي عِدَّةِ سُوَرٍ فِي جَزَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، لَا فِي أَوْلِيَاءِ الْخَيَالِ الْخُرَافِيِّ الْمَزْعُومِ، رَاجِعْ سُورَةَ النَّحْلِ (١٦: ٣٠ - ٣٢) وَسُورَةَ الْفُرْقَانِ (٢٥: ١٥، ١٦) وَسُورَةَ الزُّمَرِ (٣٩: ٣٣، ٣٤) وَسُورَةَ الشُّورَى (٤٢: ٢٢) وَسُورَةَ ق (٥٠: ٣١ - ٣٥) .

وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْفِتَنِ الْمُضِلَّةِ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ عَنِ الِاعْتِصَامِ بِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ الْمُبَيِّنَةِ لَهُ عَلَى النَّهْجِ الَّذِي اهْتَدَى بِهِ سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الصَّالِحُ لَا يَقُومُ لِشَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ عَقْلِيَّةٌ ظَاهِرَةٌ وَلَا كَشْفِيَّةٌ بَاطِنَةٌ، وَلَوْ صَحَّ أَنَّهَا مِنَ الْإِسْلَامِ لَكَانَ مَا جَاءَ الرَّسُولَ نَاقِصًا ثُمَّ كَمَلَ بِهَا.

(بُطْلَانُ تَأْوِيلِ النُّصُوصِ لِلنَّظَرِيَّاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ، بَلَهَ الْبَاطِنِيَّةِ)

أَمَّا النَّظَرِيَّاتُ الْعَقْلِيَّةُ الَّتِي يَتَأَوَّلُ النُّصُوصَ لِأَجْلِهَا عُلَمَاءُ الْكَلَامِ، فَقَدْ ظَهَرَ بُطْلَانُهَا وَبُطْلَانُ الْفَلْسَفَةِ الَّتِي بُنِيَتْ عَلَيْهَا لِعُلَمَاءِ هَذَا الْعَصْرِ وَفَلَاسِفَتِهِ، وَقَدْ أَجْمَعَ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ النَّظَرِيَّاتِ الْعَقْلِيَّةِ الْفَلْسَفِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ الْمُسَلَّمَةِ الْيَوْمَ لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ غَيْرِهَا فِي بَابِهَا، لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يُعَدُّ مِنَ الْحَقَائِقِ الْقَطْعِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ الثَّابِتَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ نَقْضُهَا، بَلْ كُلُّهَا قَابِلَةٌ لِلنَّقْضِ وَالْبُطْلَانِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>