أَيْ بَلْ أَيَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ إِنَّ مُحَمَّدًا قَدِ افْتَرَى هَذَا الْقُرْآنَ قُلْ لَهُمْ أَيُّهَا الرَّسُولُ: إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَزْعُمُونَ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ، لَا تَدَّعُونَ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ فَإِنَّكُمْ أَهْلُ اللَّسَنِ وَالْبَيَانِ، وَالْمِرَانِ عَلَى الْمُفَاخَرَةِ بِالْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ وَفُنُونِ الشِّعْرِ وَالْخَطَابَةِ، وَلَمْ يَسْبِقْ لِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي هَذَا الْعُمُرِ الطَّوِيلِ الَّذِي عِشْتُهُ بَيْنَكُمْ، وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَنَةً، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ الْبَشَرِ فَأَنْتُمْ بِهِ أَجْدَرُ، وَإِنْ كَانَتْ أَخْبَارُهُ عَنِ اللهِ - تَعَالَى - وَعَنْ عَالَمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ وَقَصَصِهِ عَنِ الرُّسُلِ وَأَقْوَامِهِمْ مُفْتَرَيَاتٍ فَأَنْتُمْ عَلَى مِثْلِهَا أَقْدَرُ فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنِي أَصْدَقُكُمْ لِسَانًا لَمْ أَكْذِبْ عَلَى بَشَرٍ قَطُّ، فَكَيْفَ أَفْتَرِي عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْتُمْ تَفْتَرُونَ عَلَيْهِ بِاتِّخَاذِ الْآلِهَةِ مَعَهُ وَالْبَنَاتِ لَهُ وَالشُّفَعَاءِ عِنْدَهُ، وَتَحْرِيمِ السَّائِبَةِ وَالْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الزَّرْعِ
وَالْأَنْعَامِ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ لِي مَنْ يُعِينُنِي عَلَى وَضْعِهِ مِمَّنْ لَا وُجُودَ لَهُمْ بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْإِمْكَانِ، فَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِمَّنْ تَعْبُدُونَ غَيْرَ اللهِ وَمِنْ جَمِيعِ خَلْقِ اللهِ لِيُسَاعِدُوكُمْ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَذِهِ السُّوَرِ الْعَشْرِ، وَلْتَكُنْ مِثْلَهُ مُفْتَرَيَاتٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي دَعْوَاكُمْ، بِأَنْ تَكُونَ مُشْتَمِلَةً عَلَى مِثْلِ مَا فِيهِ مِنْ تَشْرِيعٍ دِينِيٍّ وَمَدَنِيٍّ وَسِيَاسِيٍّ، وَحِكَمٍ وَمَوَاعِظَ وَآدَابٍ وَأَنْبَاءٍ غَيْبِيَّةٍ مَحْكِيَّةٍ عَنِ الْمَاضِي وَأَنْبَاءٍ غَيْبِيَّةٍ عَلَى أَنَّهَا سَتَأْتِي، بِمِثْلِ هَذِهِ النُّظُمِ الْبَدِيعَةِ، وَالْأَسَالِيبِ الْعَجِيبَةِ، وَالْبَلَاغَةِ الْحَاكِمَةِ عَلَى الْعُقُولِ وَالْأَلْبَابِ وَالْفَصَاحَةِ الْمُسْتَعْذَبَةِ فِي الْأَذْوَاقِ وَالْأَسْمَاعِ، وَالسُّلْطَانِ الْمُسْتَعْلِي عَلَى الْأَنْفُسِ وَالْأَرْوَاحِ، إِذَا كَانَ مَا تَحَدَّيْتُكُمْ بِهِ أَوَّلًا مِنْ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَّسِعُ لِكُلِّ الْأَجْنَاسِ وَالْأَنْوَاعِ، أَوْ فَأْتُوا بِنَوْعٍ مِمَّا تَدَّعُونَ افْتِرَاءَهُ كَالْقَصَصِ فِي عُلُومِهَا وَحِكَمِهَا وَهِدَايَتِهَا، مُكَرَّرًا كَتِكْرَارِهِ لِكُلِّ أَنْوَاعِهَا، هَذَا التَّكْرَارُ الَّذِي لَا تَبْلَى جِدَّتُهُ، وَلَا تُمَلُّ إِعَادَتُهُ.
هَذِهِ الْآيَةُ كَالْآيَةِ ٣٨ مِنْ سُورَةِ يُونُسَ، إِلَّا أَنَّ التَّحَدِّيَ فِي تِلْكَ بِسُورَةٍ مِثْلِهِ مُطْلَقًا، وَفِي هَذِهِ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ، وَقَدْ وَعَدْتُ فِي تَفْسِيرِهَا بِالْكَلَامِ عَلَى حِكْمَةِ التَّحَدِّي بِعَشْرِ سُوَرٍ عِنْدَمَا أَصِلُ إِلَى تَفْسِيرِ آيَةِ سُورَةِ هُودٍ هَذِهِ، ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أُبَيِّنَهَا هُنَاكَ مُجْمَلَةً لِئَلَّا تَخْتَرِمَنِي الْمَنِيَّةُ قَبْلَ بُلُوغِ هَذِهِ الْآيَةِ فَبَيَّنْتُهَا فِي جَوَابِ مَا يَرِدُ مِنَ الشُّبْهَةِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِينَ فِي إِعْجَازِ الْبَلَاغَةِ.
بَلْ سَبَقَ لِي أَنْ بَيَّنْتُ حِكْمَةَ التَّحَدِّي بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ الَّتِي هِيَ آخِرُ آيَاتِ التَّحَدِّي نُزُولًا، وَوَضَّحْتُ ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الْمُلْحَقِ بِهِ الَّذِي عَقَدْتُهُ لِبَيَانِ وُجُوهِ الْإِعْجَازِ، وَلَا سِيَّمَا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْهُ وَهُوَ إِعْجَازُهُ بِأُسْلُوبِهِ وَنُظُمِهِ الْعَدِيدَةِ وَأَسَالِيبِهِ الْكَثِيرَةِ فِي سُوَرِهِ الْمِائَةِ وَالْأَرْبَعَ عَشْرَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute