قَوْلُهُ: (مَثَلَ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٣: ١١٧) الصِّرُّ بِالْكَسْرِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ: الْبَرْدُ الشَّدِيدُ أَوِ الْحَرُّ الشَّدِيدُ، وَفِي مَعْنَاهُ مِثْلُ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ الظَّالِمِينَ فِي سُورَةِ الْقَلَمِ، وَمِثْلُ صَاحِبِ الْجَنَّتَيْنِ الظَّالِمِ لِنَفْسِهِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ، وَقَدْ أَهْلَكَ اللهُ جَنَّاتِهِمْ بِظُلْمِهِمْ، وَلِلَّهِ فِي خَلْقِهِ عِقَابٌ خَفِيٌّ، وَلَهُ فِيهِمْ لُطْفٌ خَفِيٌّ، فَنَسْأَلُهُ اللُّطْفَ بِنَا.
وَإِذَا أَرَادَ اللهُ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يُنْفِذُهُ بِإِبْطَالِ السُّنَنِ وَالْأَقْدَارِ، وَلَكِنْ بِالتَّرْجِيحِ أَوْ بِالتَّوْفِيقِ بَيْنَهَا كَمَا قَالَ: ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَامُوسَى ٢٠: ٤٠ وَلِلَّهِ دَرُّ صَرِيعِ الْغَوَانِي حَيْثُ قَالَ: وَتَوْفِيقُ أَقْدَارٍ لِأَقْدَارٍ وَرَاجِعْ تَفْسِيرَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ) (١٠: ٢٣) [فِي ص ٢٨٠ ج ١١ ط الْهَيْئَةِ] .
قِصَّةُ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ
تَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُ فِي ثَمَانِي آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ، وَهِيَ هُنَا فِي إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا سِيَاقٌ وَأُسْلُوبٌ وَنَظْمٌ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْعِبْرَةِ وَالْمَوْعِظَةِ مَا لَيْسَ فِي الْأُخْرَى، وَسَتَأْتِي فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ بِأُسْلُوبٍ وَنَظْمٍ وَسِيَاقٍ آخَرَ، وَكَذَا فِي سُورَتَيِ: ((الْمُؤْمِنُونَ)) وَ ((الْأَحْقَافِ)) بِدُونِ ذِكْرِ اسْمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَذُكِرَ عِقَابُ قَوْمِهِ (عَادٍ) فِي سُوَرِ: فُصِّلَتْ وَالذَّارِيَاتِ وَالْقَمَرِ وَالْحَاقَّةِ وَالْفَجْرِ.
وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِهَا مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمَأْثُورَةِ، وَمِنْهَا أَنَّ هُودًا أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَهُوَ أَوَّلُ رَسُولٍ لِأَوَّلِ أُمَّةٍ مِنْ وَلَدِ سَامِ بْنِ نُوحٍ الْأَبِ الثَّانِي لِلْبَشَرِ، وَبِهَذَا يَكُونُ أَوَّلُ رَسُولٍ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ عَرَبِيًّا، وَآخِرُ رَسُولٍ وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ عَرَبِيًّا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ يَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute