للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ نُزُولِ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: - إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ - ٢٨: ٥٦ فِي حِرْصِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى إِسْلَامِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ الَّذِي كَفَلَهُ فِي صِغَرِهِ، وَكَانَ يَحْمِيهِ وَيُنَاضِلُ عَنْهُ فِي نُبُوَّتِهِ، وَاذْكُرْ قَوْلَ السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - لَهُ فِي حَدِيثِ بَدْءِ الْوَحْيِ: " كَلَّا وَاللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ " إِلَخْ.

بَلْ لَمْ تَكُنِ الثِّقَةُ بِبَعْضِ الْمُشْرِكِينَ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِمْ فِي أَهَمِّ الْأَعْمَالِ مِنَ الرُّكُونِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَقَدْ وَثِقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بِمُشْرِكٍ مِنْ بَنِي الدَّيْلِ وَائْتَمَنَاهُ عَلَى الرَّاحِلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ هَاجَرَا عَلَيْهِمَا لِيُوَافِيَهُمَا بِهِمَا فِي الْغَارِ بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ الظَّالِمُونَ يَبْحَثُونَ عَنْهُمَا، وَقَدْ جَعَلُوا لِمَنْ يَدُلُّهُمْ عَلَيْهِمَا قَدْرَ دِيَتِهِمَا.

وَاخْتَلَفَ أَئِمَّةُ الْعِلْمِ فِي اسْتِعَانَةِ الْمُسْلِمِينَ بِالْكَافِرِ فِي الْحَرْبِ لِتَعَارُضِ الْأَحَادِيثِ فِيهَا، وَجَمَعَ الْحَافِظُ بَيْنَهَا فِي التَّلْخِيصِ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الِاسْتِعَانَةَ كَانَتْ مَمْنُوعَةً ثُمَّ رُخِّصَ فِيهَا، قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: وَهَذَا أَقْرَبُهَا وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ. انْتَهَى. وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَعُدُّوهَا مِنَ الرُّكُونِ إِلَيْهِمْ.

وَمِنْ مَبَاحِثِ الْقِرَاءَاتِ اللَّفْظِيَّةِ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَرَأَ تَرْكُنُوا بِضَمِّ الْكَافِ، وَهِيَ لُغَةُ قَيْسٍ وَتَمِيمٍ وَنَجْدٍ. وَبَعْضُهُمْ قَرَأَهَا وَقَرَأَ فَتَمَسَّكُمْ بِكَسْرِ تَائِهِمَا وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ.

(نَمُوذَجٌ مِنْ قُصُورِ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ وَغَلَطِهِمْ وَتَقْلِيدِهِمْ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ) :

(١) الرِّوَايَاتُ الْمَأْثُورَةُ وَالْمُعْتَمِدُونَ عَلَيْهَا:

رَوَى الْإِمَامُ ابْنُ جَرِيرٍ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ٣١٠ هـ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ فَسَّرَ الْآيَةَ بِالرُّكُونِ إِلَى الشِّرْكِ (وَهُوَ أَقْوَى مَا رُوِيَ فِيهَا) وَرُوِيَ عَنْهُ تَفْسِيرُهُ بِالْمَيْلِ وَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَمِيلُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ - وَلَا تَرْكَنُوا - لَا تَذْهَبُوا، وَهُوَ لَيْسَ تَفْسِيرًا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَلَا يَظْهَرُ الْمُرَادُ الشَّرْعِيُّ مِنْهُ إِلَّا بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ إِنْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِإِرَادَةِ الْمُشْرِكِينَ الظَّالِمِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ فَسَّرَ

(الرُّكُونَ " بِالطَّاعَةِ أَوِ الْمَوَدَّةِ أَوْ الِاصْطِنَاعِ، وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: لَا تَرْضَوْا أَعْمَالَهُمْ (وَهُوَ تَفْسِيرٌ بِأَحَدِ اللَّوَازِمِ الْبَعِيدَةِ) وَعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: خَصْلَتَانِ إِذَا صَلَحَتَا لِلْعَبْدِ صَلَحَ مَا سِوَاهُمَا مِنْ أَمْرِهِ: الطُّغْيَانُ فِي النِّعْمَةِ، وَالرُّكُونُ إِلَى الظُّلْمِ، ثُمَّ تَلَا الْآيَةَ، وَهَذَا مِنْ فِقْهِ الْآيَتَيْنِ لَا تَفْسِيرٌ لَهُمَا. وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَعْنِي لَا تَلْحَقُوا بِالشِّرْكِ وَهُوَ الَّذِي خَرَجْتُمْ مِنْهُ. وَأَخَذَ ابْنُ جَرِيرٍ خُلَاصَةَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فَقَالَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: وَلَا تَمِيلُوا أَيُّهَا النَّاسُ إِلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ، فَتَقْبَلُوا مِنْهُمْ وَتَرْضَوْا عَنْ أَعْمَالِهِمْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ بِفِعْلِكُمْ إِلَخْ.

وَمَا قَالَهُ وَرَوَاهُ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ لَا يُحِيطُ بِمَعْنَى الْآيَةِ، وَمَا كَانَتْ تِلْكَ الرِّوَايَاتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>