للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي جَوَابِ النَّهْيِ - النَّارُ - وَهِيَ نَارُ جَهَنَّمَ، وَإِلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي - وَمَا أَصْعَبَهُ عَلَى النَّاسِ الْيَوْمَ بَلْ فِي غَالِبِ الْأَعَاصِيرِ مِنْ تَفْسِيرٍ - ذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، قَالُوا: وَإِذَا كَانَ حَالُ الْمَيْلِ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ ظُلْمٌ مَا فِي الْإِفْضَاءِ إِلَى مِسَاسِ النَّاسِ النَّارُ، فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ يَمِيلُ إِلَى الرَّاسِخِينَ فِي الظُّلْمِ كُلَّ الْمَيْلِ، وَيَتَهَالَكُ عَلَى مُصَاحَبَتِهِمْ وَمُنَادَمَتِهِمْ، وَيُتْعِبُ قَلْبَهُ وَقَالَبَهُ فِي إِدْخَالِ

السُّرُورِ عَلَيْهِمْ، وَيَسْتَنْهِضُ الرَّجْلَ وَالْخَيْلَ فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ إِلَيْهِمْ، وَيَتَهَيَّجُ بِالتَّزَيِّى بِزِيِّهِمْ، وَالْمُشَارَكَةِ لَهُمْ فِي غَيِّهِمْ، وَيَمُدُّ عَيْنَيْهِ إِلَى مَا مُتِّعُوا بِهِ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ، وَيَغْبِطُهُمْ بِمَا أُوتُوا مِنَ الْقُطُوفِ الدَّانِيَةِ، غَافِلًا عَنْ حَقِيقَةِ ذَلِكَ، ذَاهِلًا عَنْ مُنْتَهَى مَا هُنَالِكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا لَا مِنَ الرَّاكِنِينَ إِلَيْهِمْ، بِنَاءً عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِسُفْيَانَ: إِنِّي أَخِيطُ لِلظَّلَمَةِ فَهَلْ أُعَدُّ مِنْ أَعْوَانِهِمْ؟ فَقَالَ لَهُ: لَا، أَنْتَ مِنْهُمْ، وَالَّذِي يَبِيعُكَ الْإِبْرَةَ مِنْ أَعْوَانِهِمْ اهـ.

مَنْ تَأَمَّلَ أَقْوَالَ مَنْ بَعْدَ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ يَرَى أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ قَلَّدُوهُ فِيمَا فَسَّرَ بِهِ الرُّكُونَ، وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ كَمَا حَقَّقْتُهُ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَأَنَّهُ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الرُّكُونِ وَهُوَ الْجَانِبُ الْقَوِيُّ مِنَ الْبِنَاءِ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَمَعْنَى الرُّكُونِ إِلَيْهِمْ الِاسْتِنَادُ إِلَيْهِمْ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى وِلَايَتِهِمْ وَنَصْرِهِمْ إِلَخْ. وَفِي تَفْسِيرِ - الَّذِينَ ظَلَمُوا - بِالَّذِينِ وَقَعَ مِنْهُمْ ظُلْمٌ مَا هُوَ غَلَطٌ أَيْضًا، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَقْوَامِ كَالْوَصْفِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ، فَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ - ٢: ٦ مَعْنَاهُ: جَمَاعَةُ الْكَافِرِينَ الرَّاسِخِينَ فِي الْكُفْرِ لَا مَنْ وَقَعَ مِنْهُمْ كُفْرٌ مَا إِلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ.

(١١) أَخْتِمُ هَذِهِ النُّقُولَ بِمَا أَوْرَدَهُ السَّيِّدُ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان نَائِبُ مَلِكِ بَهُوبَالَ (الْهِنْدِ) الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ١٣٠٧ هـ وَفِي تَفْسِيرِهِ (فَتْحِ الْبَيَانِ فِي مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ) الَّذِي أَوْدَعَهُ تَفْسِيرَ أُسْتَاذِهِ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيِّ الْمُسَمَّى (بِفَتْحِ الْقَدِيرِ) وَزَادَ عَلَيْهِ، فَكَانَ مَا أَوْرَدَهُ عَنْهُ مُغْنِيًا عَنْ أَصْلِهِ.

فَقَدِ اتَّفَقَ الْمُفَسِّرَانِ عَلَى تَخْطِئَةِ الزَّمَخْشَرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي تَفْسِيرِ الرُّكُونِ بِالْمَيْلِ الْيَسِيرِ، وَأَوْرَدَا بَعْضَ مَا قَالَهُ رُوَاةُ التَّفْسِيرِ وَاللُّغَةِ فِي مَعْنَاهُ مُخَالِفًا لَهُ، مِمَّا نَقَلْنَاهُ وَزْنًا عَلَيْهِ، وَانْفَرَدْنَا بِتَحْقِيقِ مَعْنَاهُ دُونَهُمْ وَدُونَهُمَا، ثُمَّ انْفَرَدَا بِالْبَحْثِ الْآتِى بِنَصِّهِ قَالَ:

" وَقَدِ اخْتَلَفَ أَيْضًا الْأَئِمَّةُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، هَلْ خَاصَّةٌ بِالْمُشْرِكِينَ أَوْ عَامَّةٌ؟ فَقِيلَ: خَاصَّةٌ، وَأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ النَّهْيُ عَنِ الرُّكُونِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَأَنَّهُمُ الْمُرَادُونَ بـ - الَّذِينَ ظَلَمُوا - وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: إِنَّهَا عَامَّةٌ فِي الظَّلَمَةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ سَبَبَ النُّزُولِ هُمُ الْمُشْرِكُونَ لَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>