أَيْ فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَأَنْتُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَمَعْنَاهُ: - وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ - يَقْدِرُونَ عَلَى مَنْعِكُمْ مِنْ عَذَابِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِكُمْ مِنْهُ غَيْرُهُ - ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ - ثُمَّ لَا يَنْصُرُكُمْ هُوَ ; لِأَنَّهُ حَكَمَ بِتَعْذِيبِكُمْ، وَمَعْنَى " ثُمَّ " الِاسْتِبْعَادُ، أَيِ النُّصْرَةُ مِنَ اللهِ مُسْتَبْعَدَةٌ. انْتَهَى. وَفِيهِ خَطَأٌ غَيْرُ مَا قُلِّدَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ.
(٩) وَقَالَ أَبُو السعُودِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُفْتِي دَوْلَةِ الرُّومِ الْعُثْمَانِيَّةِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ٩٨٣ هـ، فِي تَفْسِيرِهِ (إِرْشَادِ الْعَقْلِ السَّلِيمِ) : - وَلَا تَرْكَنُوا - أَيْ تَمِيلُوا أَدْنَى مَيْلٍ - إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا - أَيْ إِلَى الَّذِينَ وُجِدَ مِنْهُمْ ظُلْمٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَمَدَارُ النَّهْيِ هُوَ الظُّلْمُ، وَالْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ جَمْعِيَّةِ الْمُخَاطَبِينَ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنْ ذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي النَّهْيِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ كَوْنَهُمْ جَمَاعَةً مَظِنَّةُ الرُّخْصَةِ فِي مُدَاهَنَتِهِمْ، إِنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ النَّهْيَ عَنِ الرُّكُونِ إِلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ
إِنَّهُمْ جَمَاعَةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَتَمَسَّكُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ النَّارُ، وَإِذَا كَانَ حَالُ الْمَيْلِ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ ظُلْمٌ مَا فِي الْإِفْضَاءِ إِلَى مَسَاسِ النَّارِ هَكَذَا، فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ يَمِيلُ إِلَى الرَّاسِخِينَ فِي الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ مَيْلًا عَظِيمًا، وَيَتَهَالَكُ عَلَى مُصَاحَبَتِهِمْ وَمُنَادَمَتِهِمْ، وَيُلْقِي شَرَاشِرَهُ عَلَى مُؤَانَسَتِهِمْ وَمُعَاشَرَتِهِمْ، وَيَبْتَهِجُ بِالتَّزَيِّى بِزِيِّهِمْ، وَيَمُدُّ عَيْنَيْهِ إِلَى زَهْرَتِهِمُ الْفَانِيَةِ، وَيَغْبِطُهُمْ بِمَا أُوتُوا مِنَ الْقُطُوفِ الدَّانِيَةِ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنَ الْحَبَّةِ طَفِيفٌ، وَمِنْ جَنَاحِ الْبَعُوضَةِ خَفِيفٌ، بِمَعْزِلٍ عَنْ أَنْ تَمِيلَ إِلَيْهِ الْقُلُوبُ - ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ - ٢٢: ٧٣ وَخِطَابُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلتَّثْبِيتِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ الَّتِي هِيَ الْعَدْلُ، فَإِنَّ الْمَيْلَ إِلَى أَحَدِ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ ظُلْمٌ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ. انْتَهَى. وَفِيهِ خَطَأٌ غَيْرَ مَا قَلَّدَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيَّ وَتَكَلَّفَ.
(١٠) وَقَالَ السَّيِّدُ مَحْمُودٌ الْأَلُوسِيُّ مُفْتِي الْحَنَفِيَّةِ فِي بَغْدَادَ - بَعْدَ أَنْ كَانَ شَافِعِيًّا - فِي تَفْسِيرِهِ رُوحِ الْمَعَانِي:
- وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا - أَيْ لَا تَمِيلُوا إِلَيْهِمْ أَدْنَى مَيْلٍ، وَالْمُرَادُ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ كَمَا رَوَى ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَفَسَّرَ الْمَيْلَ بِمَيْلِ الْقَلْبِ إِلَيْهِمْ بِالْمَحَبَّةِ، وَقَدْ يُفَسَّرُ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا يُفَسَّرُ - الَّذِينَ ظَلَمُوا - بِمَنْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يُسَمَّى ظُلْمًا مُطْلَقًا. قِيلَ: وَلِإِرَادَةِ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: إِلَى الظَّالِمِينَ، وَيَشْمَلُ النَّهْيُ حِينَئِذٍ مُدَاهَنَتَهُمْ، وَتَرْكَ التَّغْيِيرَ عَلَيْهِمْ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَالتَّزَيِّيَ بِزِيِّهِمْ، وَتَعْظِيمَ ذِكْرِهِمْ. وَمُجَالَسَتَهُمْ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ شَرْعِيٍّ، وَكَذَا الْقِيَامُ لَهُمْ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَمَدَارُ النَّهْيِ عَلَى الظُّلْمِ، وَالْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ جَمْعِيَّةِ الْمُخَاطَبِينَ، وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي النَّهْيِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ كَوْنَهُمْ جَمَاعَةً مَظِنَّةُ الرُّخْصَةِ فِي مُدَاهَنَتِهِمْ مَثَلًا، وَتَعْقَّبَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ النَّهْيَ عَنِ الرُّكُونِ إِلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، - فَتَمَسَّكُمْ - أَيْ فَتُصِيبَكُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ كَمَا تُؤْذِنُ بِهِ الْفَاءُ الْوَاقِعَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute